أَهْلُ الْمَعْقُولِ فِي الْمُغَالَطَةِ مِنْ الْكَوَاذِبِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَالْكَيُّ، وَالرُّقْيَةُ لَيْسَا كَذَلِكَ بَلْ عَدُّ الطِّيَرَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ وَلَوْ اعْتِقَادًا لَيْسَ بِظَاهِرٍ. وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الطِّيَرَةِ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَالْمَذَاهِبُ عِنْدَنَا أَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يَقْتَضِي الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ.
(وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ وَهِيَ الْمَظْنُونَةُ كَالْمُدَاوَاةِ بِالْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ) كَالْأَدْوِيَةِ، وَالْمُعَالَجَةِ (فَفِعْلُهُ لَيْسَ مُنَاقِضًا لِلتَّوَكُّلِ بِخِلَافِ الْمَوْهُومِ) لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا كَانَ عَلَى الْأَعَمِّ، وَالْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَقَدْ يُوجَدُ الْمَظْنُونُ فِيمَا عُدَّ مِنْ الْوَهْمِيَّاتِ وَقَدْ يُوجَدُ الْمَوْهُومُ فِيمَا عُدَّ مِنْ الْمَظْنُونَاتِ عَلَى مَا تَشْهَدُ بِهِ التَّجْرِبَةُ (وَتَرْكُهُ لَيْسَ مَحْظُورًا) مَمْنُوعًا (بِخِلَافِ الْمَقْطُوعِ بِهِ) فَإِنَّ تَرْكَهُ حَرَامٌ عِنْدَ إفْضَائِهِ إلَى الْمَوْتِ، وَالْمَكْرُوهِ عِنْدَ إضْعَافِهِ (بَلْ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ فِعْلِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ) أَيْ حَالِ خَوْفِ الِاعْتِمَادِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى مِنْ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ وَحَالِ التَّعَمُّقِ كَمَا سَبَقَ وَيَأْتِي أَيْضًا.
(وَفِي حَقِّ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ) لَعَلَّ صَاحِبَ كَمَالِ التَّوَكُّلِ مِنْ الْخَوَاصِّ قِيلَ لِعَدَمِ إقْبَالِ طَبْعِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قِيلَ لَهُ نَدْعُو لَك طَبِيبًا فَقَالَ قَدْ رَآنِي الطَّبِيبُ كَمَا فِي الْعِمَادِيِّ (فَهُوَ) أَيْ الْمَظْنُونُ (عَلَى دَرَجَةٍ بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ) الْفِعْلِ، وَالتَّرْكِ، وَقِيلَ: الْحِلُّ، وَالْحُرْمَةُ (انْتَهَى) كَلَامُ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ.
ثُمَّ إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الطَّبِيبِ عَادِلًا وَفَاسِقًا بَلْ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا بَعْدَ أَنْ سَبَقَ ظَنُّ الْمَرِيضِ إلَى صِدْقِهِ وَحَذَاقَتِهِ إذْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ فِي الدُّورِ قَبْلَ قَوْلِ كَافِرٍ وَلَوْ مَجُوسِيًّا شَرَيْت اللَّحْمَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مِنْ مَجُوسِيٍّ.
وَفِي الْكَنْزِ يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ الْحِلَّ، وَالْحُرْمَةَ مِنْ الدِّيَانَاتِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِيهَا وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا مَا يَكُونُ فِي ضِمْنِ الْمُعَامَلَاتِ وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مِنْ الْمَنْعِ عَنْ التَّطْبِيبِ بِالْكَافِرِ فَعَلَى مَنْ يُوجِبُ وَهَنَ اعْتِقَادِهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: (أَقُولُ) قَالَ الْمُحَشِّي لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ عِمَادِ الدِّينِ مُشْعِرًا بِوُجُوبِ تَرْكِ الْكَيِّ، وَالرُّقْيَةِ وَأَمْثَالِهِمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَرْكَهُ شَرْطٌ لِلتَّوَكُّلِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّوَكُّلِ فِي كِتَابِهِ مَعَ أَنَّ أَمْثَالَ ذَلِكَ مُبَاحٌ بَيْنَ الْمُصَنِّفِ مُرَادُهُ لِئَلَّا يَقَعَ الْخَبْطُ، وَالزَّلَّةُ أَقُولُ قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ أَمْثَالَ ذَلِكَ مُبَاحٌ مُشْكِلٌ بِالطِّيَرَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْوَهْمِيَّاتِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ (مُرَادُهُ) فُصُولُ الْعِمَادِيِّ (بِالتَّوَكُّلِ) عِنْدَ قَوْلِهِ.
وَأَمَّا الْمَوْهُومُ فَشَرْطُ التَّوَكُّلِ تَرْكُهُ إلَى آخِرِهِ وَعِنْدَ قَوْلِهِ فَفِعْلُهُ لَيْسَ مُنَاقِضًا لِلتَّوَكُّلِ بِخِلَافِ الْمَوْهُومِ مُطَابَقَةً، وَالْتِزَامًا أَوْ مَفْهُومًا (كَمَالُهُ إذْ أَصْلُهُ) أَيْ التَّوَكُّلِ (فَرْضُ) عَيْنٍ (وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنْ لَا خَالِقَ) فِي الْوُجُودِ (وَلَا مُؤَثِّرَ فِي شَيْءٍ) كَالْأَدْوِيَةِ (إلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَالشِّفَاءُ لَيْسَ إلَّا مِنْهُ تَعَالَى وَأَنَّهُ جَرَتْ عَادَتُهُ تَعَالَى عَلَى رَبْطِ الْمُسَبِّبَاتِ بِالْأَسْبَابِ) بِدُونِ أَنْ تَكُونَ مُؤَثِّرَةً عَقْلِيَّةً عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَالنَّارِ لِلْحَرَارَةِ، وَالشِّبَعِ لِلْأَكْلِ.
(فَالتَّشَبُّثُ بِالْأَسْبَابِ) الْعَادِيَّةِ (عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ لَا يُنَاقِضُ هَذَا التَّوَكُّلَ) الْفَرْضُ الَّذِي هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute