تَقَدَّمَ أَنَّ الثَّيِّبَ الْبَالِغَ الْحُرَّةَ لَا تُجْبَرُ وَإِنَّمَا تُزَوَّجُ بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ غَيْرُ ذَاتِ الْأَبِ وَغَيْرُ ذَاتِ الْوَصِيِّ الَّذِي جَعَلَ لَهُ الْإِجْبَارَ لَا تُجْبَرُ أَيْضًا وَأَفَادَ النَّاظِمُ هُنَا أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مُطْلَقِ الْإِذْنِ وَالرِّضَا وَهُوَ أَنَّ إذْنَ الثَّيِّبِ يَكُونُ بِالنُّطْقِ وَالْإِفْصَاحِ عَنْ الرِّضَا وَلَا يَكْفِي فِيهَا الصَّمْتُ وَأَنَّ إذْنَ الْبِكْرِ صَمْتُهَا فَإِنْ نَطَقَتْ فَأَوْلَى وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا وَالثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا» ثُمَّ ذَكَرَ فِي الثَّانِي أَنَّ الْبِكْرَ تُسْتَنْطَقُ أَيْ يُطْلَبُ نُطْقُهَا فِي مَسَائِلَ وَكَأَنَّهَا فِي مَعْرِضِ الِاسْتِثْنَاءِ عَنْ قَوْلِهِ
وَالصَّمْتُ إذْنُ الْبِكْرِ فِي النِّكَاحِ
(قَالَ الشَّارِحُ) وَوَجْهُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مُطْلَقَ النِّكَاحِ الْجَارِي عَلَى صَرِيحِ الْعَادَةِ هُوَ الَّذِي اكْتَفَى فِيهِ الشَّارِحُ بِصَمْتِ الْبِكْرِ دَلِيلًا عَلَى رِضَاهَا الْمُلْزِمِ لَهَا حُكْمَ انْعِقَادِهِ عَلَيْهَا وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الصَّدَاقِ لِكَوْنِهِ عَرْضًا عِوَضًا عَنْ الْمُعْتَادِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ أَوْ مِنْ كَوْنِ الزَّوْجِ عَبْدًا أَوْ مِنْ كَذَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَحِلٍّ يُكْتَفَى فِيهِ بِالصَّمْتِ دَلِيلًا عَلَى الرِّضَا فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ الْمُعْرِبُ عَمَّا يَنْطَوِي عَلَيْهِ الضَّمِيرُ (قَالَ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ) وَالْمُسْتَأْذِنَات فِي النِّكَاحِ عَلَى قِسْمَيْنِ أَبْكَارٌ وَثَيِّبَاتٌ فَإِذْنُ الْبِكْرِ يَكُونُ بِالصَّمْتِ وَيَكُونُ بِالْقَوْلِ وَإِذْنُ الثَّيِّبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ وَقَدْ اسْتَقْصَى الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِي كُلَّ مَنْ يَلْزَمُهَا الْكَلَامُ مِنْ الْأَبْكَارِ فَقَالَ فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ كُلُّ بِكْرٍ تُسْتَأْمَرُ فَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا إلَّا الْمُرْشِدَةَ وَالْمُعَنِّسَةَ وَالْمُصَدَّقَةَ عَرْضًا وَالْمُعَلَّمَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ بِالْقُرْبِ وَالْمُزَوَّجَةَ مِمَّنْ فِيهِ رِقٌّ أَوْ عَيْبٌ وَالصَّغِيرَةَ الْمُنْكَحَةَ لِلْخَوْفِ بَعْدَ الْعَشْرِ وَمُطَالِعَةَ الْحَاكِمِ وَالْمُشْتَكِيَةَ بِالْعَضْلِ اهـ.
(وَلِابْنِ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ) أَنَّ الْمُرْشِدَة يُكْتَفَى فِي إذْنِهَا بِالصَّمْتِ وَأَنْ لَا إذْن إلَّا لِلْبَالِغَةِ اهـ وَفِي التَّوْضِيحِ فِي عَدَّ هَذِهِ النَّظَائِرَ الثَّانِيَةُ وَالْمُرْشِدَةُ ذَات الْأَبِ كَذَا فِي نُسْخَةٍ مِنْهُ وَفِي الْأُخْرَى كَانَ لَهَا أَب أَمْ لَا اهـ وَالْمُعَنِّسَةُ هِيَ الَّتِي طَالَتْ إقَامَتُهَا بِبَيْتِ أَبِيهَا حَتَّى عَرَفَتْ مَصَالِحَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسِنُّهَا أَرْبَعُونَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ ثَلَاثُونَ وَالْمُرَادُ بِالْمُعَنِّسَةِ الْيَتِيمَةُ وَأَمَّا ذَاتُ الْأَبِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبَ يُجْبِرُهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا وَقَيَّدَ فِي التَّوْضِيحِ الْمُصَدَّقَةَ عَرْضًا بِالْيَتِيمَةِ الَّتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute