للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ صُلْحٍ فِي تَرِكَةٍ وَقَعَ فِيهِ جَهْلٌ وَغَبْنٌ.

قَالَ: " فَأَمَّا الْجَهْلُ فَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْوَثَائِقِ: إذَا سَقَطَ مِنْ الْعَقْدِ ذِكْرُ مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ وَادَّعَى أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْجَهْلَ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ صَاحِبَهُ كَانَ عَالِمًا بِجَهْلِهِ، فَيَجِبُ لَهُ الْيَمِينُ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِجَهْلِهِ إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ تَمَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ نَكَلَ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْآخَرِ حَلَفَ لَقَدْ كَانَ جَاهِلًا بِمَا خَرَجَ عَنْهُ وَفُسِخَ الْعَقْدُ إنْ شَاءَ هَذَا مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ جَهِلَهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ أَمَّا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ أَوْ اعْتَرَفَ بِهِ الْخَصْمُ لَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْجَاهِلِ فِي الْفَسْخِ فَإِنْ اعْتَرَفَ الْخَصْمُ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِجَهْلِ صَاحِبِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَجَبَ الْفَسْخُ بِكُلِّ حَالٍ لِفَسَادِهِ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا الْقِيَامُ بِالْغَبْنِ فَمَا فِيهِ مَعْلُومٌ فَلْيُرَاجَعْ فِي مَحَلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ".

وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِاقْتِسَامِ مَا ... فِي ذِمَّةٍ وَإِنْ أَقَرَّ الْغُرَمَا

وَالزَّرْعِ قَبْلَ ذَرْوِهِ وَالثَّمَرِ ... مَا دَامَ مُبْقًى فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ

وَلَا بِإِعْطَاءٍ مَنْ الْوُرَّاثِ ... لِلْعَيْنِ فِي الْكَالِئِ وَالْمِيرَاثِ

وَحَيْثُ لَا عَيْنٌ وَلَا دَيْنٌ وَلَا ... كَالِئٍ سَاغَ مَا مِنْ إرْثٍ بُذِلَا

اشْتَمَلَتْ الْأَبْيَاتُ عَلَى أَرْبَعِ مَسَائِلَ ثَلَاثَةٍ مَمْنُوعَةٍ وَوَاحِدَةٍ جَائِزَةٍ (الْأُولَى) مَنْ الثَّلَاثِ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ دُيُونًا عَلَى أُنَاسٍ شَتَّى فَلَا يَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ قَسْمُ تِلْكَ الدُّيُونِ بِأَنْ يَخْرُجَ وَاحِدٌ بِغَرِيمٍ وَآخَرُ بِغَرِيمٍ آخَرَ وَهَكَذَا. وَإِنْ حَضَرَ الْغُرَمَاءُ وَأَقَرُّوا بِالدَّيْنِ تَبْقَى الدُّيُونُ بَيْنَهُمْ فَمَتَى اقْتَضَوْا مِنْهَا شَيْئًا اقْتَسَمُوهُ. وَلَا تُقْسَمُ الذِّمَمُ وَفِي الْأَثَرِ النَّهْيُ عَنْ الذِّمَّة بِالذِّمَّةِ وَمَنْ اقْتَضَى مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ صَالَحَ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْهُ دَخَلَ مَعَهُ سَائِرُ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُسَلِّمُوا لَهُ فِعْلَهُ أَوْ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيَتْبَعُونَ الْغَرِيمَ بِحِصَصِهِمْ.

كَذَا نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (فِي ذِمَّةٍ) كَأَنَّهُ أَرَادَ الْجِنْسَ بِدَلِيلِ صِيغَةِ الْجَمْعِ فِي الْغُرَمَاءِ، وَأَبْيَنُ مِنْهُ أَنْ لَوْ قَالَ بِذِمَمٍ وَإِنْ أَقَرَّ الْغُرَمَا.

(الثَّانِيَةُ) قَسْمُ الزَّرْعِ قَبْلَ ذَرْوِهِ وَالثَّمَرِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ قَبْلَ جَذَاذِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ.

(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) بِأَثَرِ النَّقْلِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْهُ: " وَكَذَلِكَ إذَا وَرِثُوا زَرْعًا، وَأَرْضًا، وَشَجَرًا فِيهَا ثِمَارٌ، ثُمَّ لَمْ يَقْسِمُوا الْأَرْضَ وَأُصُولَ الشَّجَرِ وَيَبْقَى الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ حَتَّى يُصَفَّى الزَّرْعُ وَيَصِيرَ حَبًّا وَتُجْنَى الثَّمَرَةُ فَيَقْتَسِمُونَ ذَلِكَ كَيْلًا، وَلَا يَجُوزُ اقْتِسَامُهُمْ الزَّرْعَ فَدَادِينَ وَلَا قَتًّا وَلَا حُزُمًا وَلَا الثَّمَرَ فِي الشَّجَرِ وَهُوَ فِي الْمُزَابَنَةِ، فَإِنْ اقْتَسَمُوا ذَلِكَ جَهْلًا ثُمَّ عُثِرَ عَلَيْهِ فُسِخَ. فَإِنْ نَزَلَتْ جَائِحَةٌ فِيهَا قَبَضَهُ أَحَدُهُمْ فَهِيَ مِنْ جَمِيعِهِمْ وَيَكُونُ جَمِيعُ السَّالِمِ مِنْ الْجَائِحَةِ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ بَيْنَهُمْ اهـ ". مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ.

وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَالزَّرْعِ قَبْل ذَرْوِهِ) الْبَيْتَ، فَقَوْلُهُ: (وَالزَّرْعِ) هُوَ بِالْخَفْضِ عُطِفَ عَلَى مَدْخُولِ الِاقْتِسَامِ، وَالثَّمَرِ عُطِفَ عَلَى الزَّرْعِ وَمُبْقًى بِضَمٍّ فَسُكُونٍ خَبَرُ مَا دَامَ.

(الثَّالِثَةُ) إعْطَاءُ الْوَارِثِ عَيْنًا لِلزَّوْجَةِ فِي كَالِئِ صَدَاقِهَا وَمِيرَاثِهَا مِنْ زَوْجِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِلْجَهْلِ بِمَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ بَيْعِ مَا يُقْضَى بِهِ الدَّيْنُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ.

(قَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ الصُّلْحُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْكَالِئِ وَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ يَدْخُلُهُ إذْ لَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ الدَّيْنِ، وَالْكَالِئُ مِنْ الدَّيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ مِنْ التَّرِكَةِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَيُؤَدَّى وَيُعْرَف مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَقَعُ الصُّلْحُ عَلَى نَصِيبِهَا مِنْهُ، وَلَعَلَّهُ يُبَاعُ فِي الْكَالِئِ ثُلُثُ الْعَقَارِ أَوْ رُبْعُهُ أَوْ سُدُسُهُ أَوْ مِنْ الْعَبِيدِ أَوْ مِنْ الْإِمَاءِ وَالْوِطَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَذْهَبُ بِأَكْثَرِ الْمَالِ فَلَا يَدْرِي كَمْ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ مِنْ التَّرِكَةِ. فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ وَقَعَ الْجَهْلُ فِي نَصِيبِهَا مِنْ الْبَاقِي، وَالصُّلْحُ فِي ذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالصُّلْحُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ ".

وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ أَشْهَبَ وَقَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَابْنُ زَرْبٍ وَفَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ اهـ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بِإِعْطَاءٍ مِنْ الْوَارِثِ) الْبَيْتَ، فَقَوْلُهُ: (وَلَا بِإِعْطَاءٍ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: (بِاقْتِسَامِ) وَ (مِنْ الْوَارِثِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِعْطَاءٍ، وَمَعْنَى فِي الْكَالِئِ وَالْمِيرَاثِ أَيْ فِي مُقَابَلَتِهِمَا مَعًا.

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الْجَائِزَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ عَيْنٌ وَلَا دَيْنٌ عَلَى هَالِكِهَا وَلَا كَالِئٍ لِزَوْجَتِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ أَنْ تُصَالِحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>