وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ مِنْهُمَا فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ نَقْضُهُ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَشْهَدَ سِرًّا ": فَقَوْلَانِ وَهُنَا ثَمَانِ مَسَائِلَ أَرْبَعٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى نَقْضِ الصُّلْحِ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا وَعَلَى إمْضَائِهِ فِي الرَّابِعَةِ، وَأَرْبَعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا.
فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فَالْأُولَى: إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ وَأَشْهَدَ وَأَعْلَنَ، وَالثَّانِيَةُ: إذَا صَالَحَ عَلَى الْإِنْكَارِ ثُمَّ أَقَرَّ، وَالثَّالِثَةُ: إذَا صَالَحَ عَلَى الْإِنْكَارِ وَذَكَرَ ضَيَاعَ صَكِّهِ أَيْ وَثِيقَتِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ اتَّفَقُوا فِيهَا عَلَى الْقَبُولِ، وَالرَّابِعَةُ: إذَا ضَاعَ صَكُّهُ فَقَالَ لَهُ غَرِيمُهُ: حَقُّكَ حَقٌّ فَأْتِ بِالصَّكِّ فَامْحُهُ وَخُذْ حَقَّكَ. فَقَالَ: قَدْ ضَاعَ وَأَنَا أُصَالِحُكَ فَفَعَلَ ثُمَّ يَجِدُ ذِكْرَ الْحَقِّ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِاتِّفَاقٍ (ابْنُ يُونُسَ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ غَرِيمَهُ فِي هَذِهِ مُعْتَرِفٌ وَإِنَّمَا طَالَبَهُ بِإِحْضَارِ صَكِّهِ لِيَمْحُوَ مَا فِيهِ، فَقَدْ رَضِيَ هَذَا بِإِسْقَاطِهِ وَاسْتِعْجَالِ حَقِّهِ وَالْأَوَّلُ مُنْكِرٌ لِلْحَقِّ وَقَدْ أَشْهَدَ أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ لِضَيَاعِ صَكِّهِ فَهُوَ كَإِشْهَادِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِغَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ. وَأَمَّا الْأَرْبَعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَهِيَ: إذَا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ غَائِبَةً وَأَشْهَدَ سِرًّا كَمَا ذُكِرَ.
وَالثَّانِيَةُ: إذَا صَالَحَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِبَيِّنَتِهِ، ثُمَّ عَلِمَ وَالْمَشْهُورُ فِيهَا الْقَبُولُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالثَّالِثَةُ: إذَا صَالَحَ وَهُوَ عَالِمٌ بِبَيِّنَتِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِيهَا عَدَمُ الْقَبُولِ، وَالرَّابِعَةُ: مَنْ يُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَصَالَحَهُ غَرِيمُهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ سَنَةً وَأَشْهَدَ الطَّالِبَ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِغَيْبَةِ بَيِّنَتِهِ فَإِذَا قَدِمَتْ قَامَ بِهَا، فَقِيلَ ذَلِكَ لَهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُهُ وَهُوَ يَجْحَدُهُ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (خَلِيلٌ) وَأَفْتَى بَعْضُ أَشْيَاخِ شَيْخِي بِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ لِضَرُورَةٍ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالْآخَرُ لِمُطَرِّفٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى إيدَاعَ الشَّهَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ: " فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ، أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لَمْ يَعْلَمْهَا، أَوْ أَشْهَدَ، وَأَعْلَنَ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا، أَوْ وَجَدَ وَثِيقَتَهُ بَعْدَهُ فَلَهُ نَقْضُهُ كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ، أَوْ يُقِرَّ سِرًّا فَقَطْ عَلَى الْأَحْسَنِ لَا إنْ عَلِمَ بِبَيِّنَتِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ فَقِيلَ لَهُ حَقُّكَ ثَابِتٌ فَأْتِ فَصَالِحْ ثُمَّ وَجَدَهُ " اهـ.
وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الْمُخْتَصَرِ هِيَ الثَّانِيَةُ فِي التَّوْضِيحِ، وَالثَّانِيَةُ فِيهِ هِيَ الثَّانِيَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ فِي التَّوْضِيحِ، وَالثَّالِثَةُ فِيهِ هِيَ الْأُولَى فِي التَّوْضِيحِ، وَالرَّابِعَةُ هِيَ الثَّالِثَةُ فِي التَّوْضِيحِ، وَالْخَامِسَةُ هِيَ الْأُولَى مِنْ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ، وَالسَّادِسَةُ هِيَ الرَّابِعَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ، وَالسَّابِعَةُ هِيَ الثَّالِثَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ، وَالثَّامِنَةُ هِيَ الرَّابِعَةُ مِنْ الْأَرْبَعِ الْأُولَى. وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ كَلَامِ التَّوْضِيحِ: " وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى إيدَاعَ الشَّهَادَةِ " (قُلْت) هِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي عُرْفِنَا الِاسْتِرْعَاءَ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَلَى ظَالِمٍ لَا يُنْتَصَفُ مِنْهُ وَلَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ فَيَخَافُ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ وَيَضِيعَ حَقُّهُ، فَيُشْهِدُ سِرًّا وَخُفْيَةً أَنَّهُ عَلَى حَقِّهِ غَيْرُ تَارِكٍ لَهُ وَأَنَّهُ يَقُومُ بِهِ مَتَى أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِيهَا صَاحِبُ الْمِعْيَارِ فِي نَوَازِلِ الصُّلْحِ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَطِيَّةَ الْوَنْشَرِيسِيِّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ آخِرَ الصُّلْحِ " فَإِنْ أَشْهَدَ سِرًّا فَقَوْلَانِ " فَعَلَيْك بِهِ إنْ تَعَلَّقَ لَك بِهِ غَرَضٌ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ.
إنْ طَالَ هَذَا وَلَمْ يَحْدُثْ لَهُ غِيَرٌ ... لَمْ يُبْكَ مَيْتٌ وَلَمْ يُفْرَحْ بِمَوْلُودِ
وَقَدْ نَقَلْنَا مِنْهُ جُمْلَةً صَالِحَةً فِي شَرْحِنَا الْمُسَمَّى بِفَتْحِ الْعَلِيمِ الْخَلَّاقِ فِي شَرْحِ لَامِيَّةِ الزَّقَّاقِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي آخِرِهَا:
وَلَا تَكْتُبَنْ طَوْعًا بِعَيْبٍ بِمَرْكَبٍ
الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ.
وَالتَّرِكَاتُ مَا تَكُونُ الصُّلْحُ ... مَعَ عِلْمِ مِقْدَارٍ لَهَا يَصِحُّ
يَعْنِي أَنَّ التَّرِكَةَ يَصِحُّ وَيَجُوزُ فِيهَا الصُّلْحُ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ عَيْنًا، أَوْ عَرَضًا، أَوْ حَيَوَانًا، أَوْ طَعَامًا، أَوْ مَلَقَةً مِنْ الْبَعْضِ، أَوْ الْكُلِّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَكِنْ بِشَرْطِ عِلْمِ مِقْدَارِهَا لِمَا فِي الصُّلْحِ مَعَ جَهْلِ مِقْدَارِهَا مِنْ الْغَرَرِ الَّذِي مَنَعَ مِنْهُ الشَّارِحُ فِي أَبْوَابِ الْمُعَاوَضَاتِ، ثُمَّ نَقَلَ الشَّارِحُ جَوَابَ الْإِمَامِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ لُبٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute