للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَائِرِ الشُّهَدَاءِ قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ - إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩] وَالْحَيُّ لَا يُغَسَّلُ وَسَمِّي شَهِيدًا لِأَنَّهُ حَيٌّ وَقِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الشَّهِيدُ (جُنُبًا) قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ فَيُغَسَّلُ لِمَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ صَاحِبَكُمْ لَتُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ يَعْنِي حَنْظَلَةَ قَالُوا لِأَهْلِهِ: مَا شَأْنُهُ؟ فَقَالَتْ خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَائِعَةَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» .

وَفِي الْكَافِي أَنَّهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ.

(أَوْ) يَكُونُ (حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ طَهُرَتَا) أَيْ انْقَطَعَ دَمُهُمَا (أَوْ لَا، فَيُغَسَّلَانِ غُسْلًا وَاحِدًا) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْجُنُبِ وَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِغَيْرِ الْمَوْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ (وَإِنْ أَسْلَمَ) شَخْصٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (ثُمَّ اُسْتُشْهِدَ قَبْلَ غُسْلِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُغَسَّلْ) لِلْإِسْلَامِ لِأَنَّ أَصْرَمَ بْنَ عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَسْلَمَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ قُتِلَ فَلَمْ يَأْمُرْ بِغُسْلِهِ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْمُبْدِعِ وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ: يَجِبُ كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى (وَإِنْ قُتِلَ) شَهِيدًا (وَعَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ لَمْ يُوَضَّأْ) لِأَنَّ الْوُضُوءَ تَابِعٌ لِلْغُسْلِ.

وَقَدْ سَقَطَ (وَتُغْسَلُ نَجَاسَتُهُ) أَيْ الشَّهِيدِ كَالْحَيِّ (وَيَجِبُ بَقَاءُ دَمِ) شَهِيدٍ (لَا نَجَاسَةَ مَعَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَفْنِ قَتْلَى أُحُدٍ فِي دِمَائِهِمْ (فَإِنْ لَمْ تُزَلْ) النَّجَاسَةُ (إلَّا بِالدَّمِ غُسِلَا) أَيْ الدَّمُ وَالنَّجَاسَةُ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ - وَمِنْهُ غُسْلُ النَّجَاسَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَمِنْهُ بَقَاءُ دَمِ الشَّهِيدِ عَلَيْهِ.

(وَيُنْزَعُ عَنْهُ السِّلَاحُ وَالْجُلُودُ وَ) مِنْهَا (نَحْوُ فَرْوَةٍ وَخُفٍّ وَيَجِبُ دَفْنُهُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَأَنْ يُدْفَنُوا فِي ثِيَابِهِمْ بِدِمَائِهِمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ الْعِبَادَةِ.

(وَظَاهِرُهُ لَوْ كَانَتْ حَرِيرًا) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ (فَلَا يُزَادُ فِيهَا) أَيْ فِي ثِيَابِ الشَّهِيدِ (وَلَا يُنْقَصُ) مِنْهَا (وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ الْمَسْنُونُ) بِهَا لِنَقْصِهَا أَوْ زِيَادَتِهَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِمَا.

وَأَجَابَ الْقَاضِي عَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>