للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْثُ هُوَ، بَلْ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ كَانَ شَامِلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ لَكِنَّ تَصْحِيحَ هَذَا الْمِثَالِ وَبَيَانَ الْعَلَاقَةِ فِيهِ مُشْكِلٌ، وَحَدِيثُ اسْتِعْمَالِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ كَاذِبٌ لِمَا سَمِعْتَ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا أَسْلَفَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الثَّالِثِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ إطْلَاقُهُ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنَاطًا لِلْحُكْمِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ وَلَا نِزَاعَ فِي امْتِنَاعِ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَجَوَازِهِ مَجَازًا إنْ قَامَتْ عَلَاقَةٌ مُصَحِّحَةٌ، فَإِنْ قِيلَ: عَلَاقَةُ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ مُتَحَقِّقَةٌ قَطْعًا قُلْنَا: لَيْسَ كُلُّ مَا يُعْتَبَرُ جُزْءًا مِنْ مَجْمُوعٍ يَصِحُّ إطْلَاقُ اسْمِهِ عَلَيْهِ لِلْقَطْعِ بِامْتِنَاعِ إطْلَاقِ الْأَرْضِ عَلَى مَجْمُوعِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا جُزْؤُهُ، وَهَذَا مِنْهُ تَصْرِيحٌ أَوْ كَالتَّصْرِيحِ بِالْعَجْزِ عَنْ إثْبَاتِ الْعَلَاقَةِ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَجَازِ وَأَنَّ أَبْلَغَ مَا يَتَبَادَرُ عَلَاقَةُ مَا أَبْدَاهُ وَدَفْعُهُ عَلَى تَقْدِيرِي: الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ وَالْكُلُّ الْإِفْرَادِيُّ. فَإِنْ قُلْتَ: الَّذِي اسْتَظْهَرْت بِهِ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وَمَسْأَلَتُنَا مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، قُلْتُ: هُمَا مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ حَتَّى قَالَ السَّعْدُ فِي الْحَاشِيَةِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ ذِكْرَ الرَّابِعِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْتَرَكِ: وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، بَلْ رُبَّمَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِذِكْرِ الْمُشْتَرَكِ نَظَرًا إلَى أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِالشَّخْصِ وَالْمَجَازِيِّ بِالنَّوْعِ سَلَّمْنَا الِاقْتِدَارَ عَلَى إبْدَاءِ الْعَلَاقَةِ بَقِيَتْ الْمُطَالَبَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْقَرِينَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْقَرِينَةَ قِيَامُهُ مَقَامَ أَبِيهِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فِي الْعَلَاقَةِ قُلْنَا: دَعَوَا الْحِيرَةَ وَأَنْتُمْ بِالْخِيرَةِ بَيْنَ أَنْ تَجْعَلُوا مَا ذَكَرْتُمْ عَلَاقَةً كَمَا تَوَارَدْتُمْ عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذِهِ الْحَادِثَةِ، وَبَيْنَ أَنْ تَجْعَلُوهُ قَرِينَةً، فَإِنْ اخْتَرْتُمْ الْأَوَّلَ فَقَدْ أَسَلَفْنَا إبْطَالَهُ أَوْ الثَّانِيَ بَيَّنَّا إهْمَالَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُصْرَفُ عَنْ الشَّيْءِ وَيُبْعَدُ عَنْ إرَادَتِهِ غَيْرُ مَا يَقْرَبُ مِنْهُ وَيَرْبِطُ بِهِ، وَإِذَا صَارَ هَذَا مِنْ الْوُضُوحِ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَأَيُّ مَجَازٍ لَا دَاعِيَةَ إلَيْهِ وَلَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ، سُبْحَانَك هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْجَادَّةُ سَبِيلَ هَذَا الْمُتَجَوِّزِ، وَهُوَ مِمَّنْ رَأَى مَا رَأَى الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ، فَبَعْدَ مُطَالَبَتِهِ بِالدَّاعِي وَالْعَلَاقَةِ فِي الْمَجَازِ.

وَاعْتِرَافُنَا بِأَنَّ مَا زَعَمَهُ ثَمَّ عَلَاقَةٌ يُمْكِنُ هُنَا لَنَا فِي تَضْعِيفِ مُعْتَمَدِهِ وَتَوْهِينِ مُسْتَنَدِهِ طُرُقٌ أَحَدُهَا: أَنَّ مَا نُسِبَ إلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ ذَلِكَ مَسُوقٌ كَمَا مَرَّ مَسَاقَ الْأَقْوَالِ السَّقِيمَةِ وَالْآرَاءِ الضَّعِيفَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ قَوْلُ الْكَمَالِ بْنِ أَبِي شَرِيفٍ - فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ - عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ (وَعَنْ الشَّافِعِيِّ حَقِيقَةٌ وَفِي التَّعْبِيرِ بِعَنْ إشَارَةٌ) إلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لِمَا ذَكَرْنَا يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْقَوْلَةِ، أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَحَكَاهُ عَنْهُ الْآمِدِيُّ وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: إنَّهُ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِهِ لَكِنْ نَقْلَ النَّقْشَوَانِيُّ فِي التَّلْخِيصِ عَنْهُ أَنَّهُ مَجَازٌ كَمَا مَال إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِلْآمِدِيِّ اهـ.

وَلَا يُنَافِي اخْتِيَارُ التَّاجِ السُّبْكِيّ لِذَلِكَ مَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِهِ لِمِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ، مِنْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْوَصَايَا مِنْ مَطْلَبِهِ أَنَّهُ أَخْرَجَ نَصَّهُ مِنْ الْأُمِّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي خَاتِمَةِ بَحْثِ الْمُشْتَرَكِ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْأَشْبَهُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ لَا يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ مَعَانِيهِ وَلَا يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى جَمِيعِهَا، ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيّ: فَسِيَاقُ كَلَامِهِ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَأَى ذَلِكَ وَكَيْفَ وَقَدْ جَعَلَ الْأَشْبَهَ خِلَافَ ذَلِكَ اهـ.

ثَانِي الطُّرُقِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي حَاشِيَةِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْمَحَلِّيِّ تَبَعًا لِلشَّارِحِ هُوَ مَا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْحَقِيقَةِ وَحْدَهَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا، أَوْ عَلَى قَصْدِ الْمَجَازِ وَحْدَهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَقَطْ، أَوْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْمَجَازِ وَلَا انْتِفَائِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقَطْ. كَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ وَالِدِهِ قَالَ: وَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ: إذَا لَمْ يَظْهَرْ قَصْدٌ فَلَا مَدْخَلَ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَجَازِهِ بِقَرِينَةٍ اهـ. فَأَنْتَ تَرَى كَلَامَ الْكَمَالِ عَلَى هَذَا الْمَطْلَبِ كَمَالَ الْكَلَامِ، فَإِنْ رَجَعْتُمْ إلَى ادِّعَاءِ أَنَّ الْقَرِينَةَ قِيَامُ الْفَرْعِ مَقَامَ أَصْلِهِ فَجَوَابُكُمْ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَلَى أَنَّا نَدَّعِي أَنَّ الْقَرِينَةَ عَلَى قَصْدِ الْحَقِيقَةِ كَنَارٍ عَلَى عَلَمٍ.

وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِفَ وَقَفَ عَلَى عُتَقَائِهِ، وَهُمْ بِالِاتِّفَاقِ حَقِيقَةٌ فِيمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>