للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُونَهُمْ مِنْ الْأُصُولِ أَوْ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ مِنْهُمْ، قُسِّمَ رَيْعُ الْوَقْفِ شَطْرَيْنِ شَطْرٍ لِلْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ وَشَطْرٍ لِأَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ عَلَى حُكْمِ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ عَمَلًا بِصَرِيحِ قَوْلِهِ بِظَاهِرِ عِبَارَتِهِ.

وَلَا يَتَشَبَّثُ بِمَا تَوَهَّمَهُ الْمُخَالِفُونَ مِنْ ارْتِكَابِ التَّمَحُّلَاتِ الْبَعِيدَةِ وَالتَّكَلُّفَاتِ الشَّدِيدَةِ الْغَيْرِ سَدِيدَةٍ الَّتِي يَنْبُو عَنْهَا الطَّبْعُ السَّلِيمُ وَالذِّهْنُ الْمُسْتَقِيمُ، وَمِنْهَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي تَمْهِيدَ مُقَدِّمَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى الْمَجَازِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَاعٍ يَدْعُوهُ لِتَرْكِ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ، وَإِلَّا لَكَانَ عَبَثًا، ثَمَّ عَلَاقَةٌ تَرْبِطُ بَيْن الْمَعْدُولِ عَنْهُ وَالْمَعْدُولِ إلَيْهِ، وَالْأَصَحُّ إطْلَاقُ كُلِّ لَفْظٍ عَلَى كُلِّ مَعْنًى، ثُمَّ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَإِلَّا تَبَادَرَ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِمَّا لَا نِزَاعَ لِفَاضِلٍ فِيهِ لِإِطْبَاقِ كُتُبِ الْأُصُولِ، بَلْ وَكُتُبِ الْبَلَاغَةِ عَلَيْهِ غَالِبًا، وَلَوْ أَرَدْنَا الِاسْتِشْهَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ لَطَالَ الْحَالُ وَأَدَّى إلَى الْمَلَالِ.

لَا يُقَالُ: إنَّ الدَّاعِيَ إلَى التَّجَوُّزِ وَالْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا يَصْرِفُ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: افْتِرَاقُهُمَا فِي عَدِّ كُلٍّ شَرْطًا عَلَى حِيَالِهِ يَأْبَى ذَلِكَ وَأَيْضًا فَالدَّاعِي شَرْطٌ لِلْعُدُولِ، وَمَعْنَاهُ جَوَازُ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ إلَى غَيْرِهَا، وَالْقَرِينَةُ شَرْطٌ لِمَنْعِ تَبَادُرِ الْحَقِيقَةِ لِأَصَالَتِهَا، وَاخْتِلَافُ الْأَثَرَيْنِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُؤَثِّرَيْنِ، وَأَيْضًا فَاعْتِبَارُ الْقَرِينَةُ بَعْد اعْتِبَارِ الدَّاعِي بَلْ وَبَعْدَ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ لِمَا لَا يَخْفَى مِنْ أَنَّ طَلَبَ مَا يُصَحِّحُ الْإِطْلَاقَ الْمَجَازِيَّ لَا يَحْسُنُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَا يَجُوز الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَإِنْ طَلَبَ مَا يَمْنَعُ مُبَادَرَةِ الْأَصْلِ إنَّمَا يَتَأَتَّى بَعْدَ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِ الْفَرْعِ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضْنَا لِذَلِكَ لِادِّعَاءِ بَعْضِ الْأَعْيَانِ لَهُ عِنْد مُنَاصَرَتِهِ فِيمَا كَتَبَ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ فِي ذَلِكَ لِمَا عَرَفَهُ، وَإِذَا تَمَهَّدَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَتَأَكَّدَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ فَاعْلَمْ أَنَّ حَامِلَ الْعَتِيقِ فِي هَذَا السُّؤَالِ عَلَى مَا يَشْمَلُ وَلَدَهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْلُكَ الطَّرِيقَ الْجَادَّةَ، وَهِيَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَجَازٌ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُعْتَمَدُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِهِ الْعَضُدِ وَالتَّاجِ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِمْ

بِدَلِيلِ سَوْقِهِمْ مَا عَدَا ذَلِكَ مَسَاقَ الْآرَاءِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَذَاهِبِ الْمَرْجُوحَةِ لِتَصْدِيرِهِمْ الْأَوَّلِ وَتَرْجِيحِهِ وَتَأْخِيرِهِمْ الثَّانِيَ وَتَوْهِينِهِ، أَوْ يَسْلُكَ طَرِيقَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهِيَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ عَلَى التَّوْزِيعِ.

وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَالْمُتَجَوِّزُ مُطَالَبٌ بِالدَّاعِي لِمَا سَبَقَ، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ الِاخْتِصَارُ لَوْ عَبَّرَ عَنْ الْمَعْنَيَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، أَمَّا حَيْثُ عَبَّرَ عَنْ كُلِّ مَعْنَى بِلَفْظٍ فَأَنَّى يَدَّعِي لَهُ الِاخْتِيَارَ، وَكَيْفَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الْبَيَانِ، وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ إمَّا فَرْعُ الْعَتِيقِ أَوْ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْعَتِيقِ مَعَ فَرْعِهِ، وَكَوْنُ لَفْظِ الْعَتِيقِ بِمُفْرَدِهِ أَوْضَحُ دَلَالَةً عَلَى الْفَرْعِ أَوْ عَلَيْهِ مَعَ أَصْلِهِ مِنْ لَفْظِ الْوَلَدِ أَوْ الْعَتِيقِ وَوَلَدِهِ مِمَّا لَا يُدَّعَى إلَّا سَهْوًا أَوْ عِنَادًا، لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ مَا لَمْ تُهْجَرُ أَوْضَحُ دَلَالَةً عَلَى الْمَعْنَى مِنْ الْمَجَازِ، وَلَوْ احْتَفَّ بِقَرَائِنَ شَتَّى؛ لِأَنَّ قُصَارَى أَثَرِ الْقَرَائِنِ أَنْ تُلْحِقَ الْمَجَازَ فِي الْوُضُوحِ بِالْحَقِيقَةِ، وَأَنَّى لَهُ بِالْقَرَائِنِ بَلْ بِالْقَرِينَةِ الْوَاحِدَةِ، فَكَيْفَ بِالْمُسَاوَاةِ فَضْلًا عَنْ الزِّيَادَةِ؟ ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ زَعْمُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْد تَعْدِيدِ أَقْسَامِ الدَّاعِي أَنَّ بَعْضَ الْمَجَازَاتِ أَوْضَحُ دَلَالَةً مِنْ الْحَقِيقَةِ لِقَوْلِ السَّعْدِ فِي التَّلْوِيحِ بَعْدَ مَا أَوْرَدَ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِالْمَعْنَى مَا يُقْصَدُ مِنْ اللَّفْظِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا كَالْحُجَّةِ وَالْعِلْمِ مَثَلًا، فَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ دَلَالَةَ لَفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ عَلَيْهِ أَوْضَحُ عِنْد الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ مِنْ دَلَالَةِ لَفْظِ الشَّمْسِ وَالثَّوْرِ، وَلَوْ مَعَ أَلْفِ قَرِينَةٍ، فَإِنْ فَرَضْنَا الظَّفَرَ بِالدَّاعِي بَقِيَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَرِينَةِ الْمُصَحِّحَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هِيَ كَوْنُ الْوَلَدِ قَائِمًا مَقَامَ أَبِيهِ وَحَائِزًا نَصِيبَهُ عِنْد عَدَمِهِ وَمُكْتَسِبَ الْحُرِّيَّةِ عَنْ حَرِيَّتِهِ، قُلْنَا: هَذِهِ الْعَلَاقَة مَعَ مَا فِيهَا قُصَارَى أَمْرِهَا أَنْ تُصَحِّحَ إطْلَاقَ الْعَتِيقِ مَجَازًا عَلَى وَلَدِهِ لَيْسَ غَيْرُ.

وَلَيْسَ هَذَا الْمَجَازُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا عَلَى كِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ لِمَا لَا يَخْفَى، فَيَبْقَى الطَّلَبُ مُتَعَلِّقًا بِعَلَاقَةِ هَذَا الْمَجَازِ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ، وَعَزَّ أَنْ يَظْفَرَ بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْمَوْلَى سَعْدُ الدِّينِ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ إنْ أُرِيدَ الْمَجْمُوعُ لَا مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>