للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِجَمِيعِ الرَّيْعِ، وَمِنْهَا قَوْلُ الْوَاقِفِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ نَفَرًا لَا يَخْتَصُّ بِمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْعُتَقَاءُ الَّذِينَ بَاشَرَهُمْ الْعِتْقُ بِأَسْرِهِمْ وَبَقِيَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ عَدَدٌ يَزِيد عَلَى الْخَمْسِينَ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ بَيْنهمْ وَبَيْنَ جِهَةِ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ، وَيَسْتَحِقُّ أَوْلَادُ الْعُتَقَاءِ جَمِيعَ الرَّيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ الزَّائِدَ عَلَى الْخَمْسِينَ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ بِوُجُودِ وَلَدِهِ الْمُسْتَحِقِّ لِنَصِيبِهِ، فَالْمَوْجُودُ بِوُجُودِ أَوْلَادِهِ هُوَ الْعَتِيقُ الَّذِي بَاشَرَهُ الْعِتْقُ فَهُوَ لَمْ يَنْقَرِضْ، بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ بِوُجُودِ نَصِيبِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَصَبَةَ كُلِّ عَتِيقٍ يَقُومُونَ مَقَامَ ذَلِكَ الْعَتِيقِ فَكَأَنَّ ذَلِكَ الْعَتِيقَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ وَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا بِوُجُودِ عَصَبَتِهِ فَلَمْ يَنْقَرِضْ الْعُتَقَاءُ الْخَمْسُونَ، بَلْ مَنْ وُجِدَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَأَوْلَادُهُ، فَهُوَ مَوْجُودٌ وَمِنْهَا حَيْثُ كَانَ الْأَوْلَادُ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ عَدَدُ جُمْلَتِهِمْ تَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِينَ نَسَلُوا عَنْ الْعُتَقَاءِ يَزِيدُ عَدَدُ جُمْلَتِهِمْ عَلَى خَمْسِينَ، فَجَوَابِي كَهَذَا الْجَوَابِ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَادَ الْمَذْكُورِينَ يَسْتَحِقُّونَ جَمِيعَ الرَّيْعِ دُونَ قِسْمَتِهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْن خِدْمَةِ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ عَلَى سَاكِنِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ جَعَلَ الْفَرْعَ قَائِمًا مَقَامَ أَصْلِهِ وَحَائِزًا لِنَصِيبِهِ فَيَكُونُ الْأَصْلُ الْعَتِيقُ مَوْجُودًا شَرْعًا بِوُجُودِ فَرْعِهِ حِسًّا.

وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ قَائِمُونَ مَقَامَهُمْ وَخَالَفَ قَائِلِيهَا آخَرُونَ فَأَجَابُوا بِأَجْوِبَةٍ مُخَالِفَةٍ لَهَا وَارِدَةٍ عَلَيْهَا مِنْهَا لَا يَشُكُّ شَاكٍّ أَنَّ الْعُتَقَاءَ حَقِيقَةٌ، فِيمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ وَلَا يَجُوز حَمْلَهُ عَلَى مَجَازِهِ، وَهُوَ مَنْ شَمِلَهُ نِعْمَةُ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يَتَمَحَّلُ لِهَذَا الْمَجَازِ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ عَلَاقَةٌ مُصَحِّحَةٌ لِإِرَادَةِ الْمَجَازِ بَعْدَ اللَّتَيَّا وَاَلَّتِي، وَهَذَا الْمِقْدَارُ غَيْرُ كَافٍ فِي صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى مَجَازِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ، فَإِنْ قُلْت: إزَالَةُ الرِّقِّ عَنْ الْأَصْلِ تَتَضَمَّنُ الْإِزَالَةَ عَنْ فَرْعِهِ فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ قُلْنَا: إنْ أَرَدْت أَنَّ إزَالَةَ الرِّقِّ عَنْ الْأَصْلِ إزَالَةٌ عَنْ فَرْعِهِ الْمَوْجُودِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ أَرَدْت بِهِ الْفَرْعَ الَّذِي سَيُوجَدُ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ، عَلَى أَنَّ الْفَرْعَ إذَا وُجِدَ حُرًّا لَمْ تَكُنْ حُرِّيَّتَهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَتِيقَ الْمَذْكُورَ إذَا تَزَوَّجَ بِأَمَةِ الْغَيْرِ فَأَوْلَدَهَا كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا لِلْغَيْرِ، فَأَيُّ رِقٍّ أَزَالَهُ عَنْ فَرْعِهِ بِإِزَالَتِهِ عَنْ أَصْلِهِ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ: انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ فَلَيْسَ مُطْلَقًا بَلْ مُغَيًّا إلَى غَايَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَا يَجُوز إلْغَاؤُهَا وَهِيَ بُلُوغُ عَدَدِ الْعُتَقَاءِ خَمْسِينَ فَإِنْ قُلْت: إذَا بَقِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِينَ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ الزَّائِدَ عَلَى الْخَمْسِينَ إذَا مَاتَ عَنْ وَلَدٍ صَارَ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ بِوُجُودِ وَلَدِهِ الْمُسْتَحِقِّ لِنَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ عَصَبَةَ كُلِّ عَتِيقٍ يَقُومُونَ مَقَامَ ذَلِكَ الْعَتِيقِ، فَلَمْ يَنْقَرِضْ الْعُتَقَاءُ الْخَمْسُونَ.

قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ لِنَصِيبِ الْأَبِ يَجْعَلُ الْأَبَ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ، وَعَصَبَةُ الْعَتِيقِ لَا تَقُومُ مَقَامُ الْعَتِيقِ فِي وُجُودِهِ بَلْ تَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ الَّذِي كَانَ لَهُ لَا غَيْرُ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ عَلَى أَنَّهُ إذَا قُلْتُمْ: إنَّ الْعَصَبَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعَتِيقِ يَلْزَمُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْأَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ الزَّائِدِينَ عَلَى الْخَمْسِينَ، هَلْ هُمْ أَوْلَادُ خَمْسِينَ مِنْ الْعُتَقَاءِ فَمَا دُونَهُمْ؟ يَلْزَمُ أَنْ يَقُولُوا: بِقِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ وَإِنْ تَعَدَّدُوا يَقُومُونَ مَقَامَ أَصْلِهِمْ الْوَاحِدِ فَتَحَقَّقَتْ الْغَايَةُ، فَكَيْفَ يَكُون الْعَدَدُ الزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسِينَ مِنْ الْأَوْلَادِ مُطْلَقًا مَانِعًا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ، فَإِنْ قُلْت الْوَاقِفُ جَعَلَ الْوَلَدَ قَائِمًا مَقَامَ أَصْلِهِ وَحَائِزًا لِنَصِيبِهِ فَيَكُونُ الْأَصْلُ الْعَتِيقُ مَوْجُودًا شَرْعًا بِوُجُودِ فَرْعِهِ حِسًّا قُلْنَا: الْوَاقِفُ لَمْ يَجْعَلُ الْفَرْعَ قَائِمًا مَقَامَ الْأَصْلِ فِي الْوُجُودِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مُسْتَحِقًّا لِنَصِيبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا شَرْعًا، بَلْ الْمَوْجُودُ شَرْعًا وَحِسًّا إنَّمَا هُوَ فَرْعُهُ لِانْتِقَالِ نَصِيبِ وَالِدِهِ الَّذِي قَدْ مَاتَ إلَيْهِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ مِنْ ذَوِي الْعُقُولِ سِيَّمَا مِنْ مَارْسَ الْمَنْقُولَ وَالْمَعْقُولَ.

وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا يُسْتَرَابُ وَالصَّوَابَ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أُولُو الْأَلْبَابِ أَنَّهُ إذَا انْقَرَضَ الْعُتَقَاءُ الَّذِينَ بَاشَرَهُمْ الْعِتْقُ، وَبَقِيَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِينَ سَوَاءٌ نَشَئُوا عَنْ خَمْسِينَ فَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>