شَرْعًا كَالْمُكْرَهِ حِسًّا وَحَيْثُ مَنَعْنَاهُ مِنْ الِاسْتِبَانَةِ فَغَابَ غَيْبَةً تُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ قَرَّرَ النَّاظِرُ غَيْرَهُ، وَحَيْثُ جَوَّزْنَاهَا لَهُ فَإِنْ اسْتَنَابَ فَوَاضِحٌ، وَإِلَّا قَرَّرَ غَيْرَهُ بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ، وَإِذَا شُرِطَتْ قِرَاءَةُ مَا تَيَسَّرَ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ حَالَ الشَّرْطِ عَلِمَهُ الْوَاقِفُ نَزَلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا اكْتَفَى بِمَا يُسَمَّى قِرَاءَةً كَجُمْلَةٍ أَفَادَتْ مَعْنَى مُسْتَقِلًّا لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ.
وَقَدْ قَالُوا: لَوْ قَالَ لِقِنِّهِ: إنْ قَرَأْت الْقُرْآنَ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِقِرَاءَةِ جَمِيعِهِ أَوْ قُرْآنًا عَتَقَ بِقِرَاءَةِ بَعْضِهِ، وَالْفَرْقُ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته؛ لِأَنَّ قُرْآنًا وَمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى لَكِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْبَعْضَ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ مَا قَدَّمْته وَيَصِلُ لِلْوَاقِفِ ثَوَابُ الدُّعَاءِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَإِيصَالِ الْبِرِّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، لَا نَفْسُ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لِلْقَارِئِ بِالنَّصِّ فَلَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ لِغَيْرِهِ، وَمَرَّ بَعْضُ ذَلِكَ فَإِنْ دَعَا بِوُصُولِ مِثْلِهِ لِلْوَاقِفِ حَصَلَ لَهُ مِثْلُهُ مِنْ حَيْثُ الدُّعَاءِ لَا مِنْ حَيْثُ الْقِرَاءَةِ، وَإِذَا شَرَطَ الْإِهْدَاءَ لَهُ وَلِآخَرِينَ عَيَّنَهُمْ وَجَبَ الْإِهْدَاءُ إلَيْهِمْ، وَإِنْ جُهِلَتْ قُبُورُهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِلُ إلَيْهِمْ مُطْلَقًا.
وَالْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ إذْ قَدْ لَا يُعْلَمُ قَبْرُهُ فَيَتَعَذَّرُ الْإِتْيَانُ بِمَا شَرَطَهُ فَإِنْ قَالَ: وَقَفْت بَعْدَ مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيَّ فَهُوَ وَصِيَّةٌ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ صَحَّ الْوَقْفُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ صَحَّتْ فِيهِ فَقَطْ، وَيَصِحُّ شَرْطُ إهْدَاءِ الثَّوَابِ أَوْ مِثْلِهِ فِي صَحَائِفَ مِنْ ذِكْرٍ وَصُورَةُ مَا يَدْعُو بِهِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ ذَلِكَ أَوْ اللَّهُمَّ اجْعَلْ مِثْلَ ثَوَابِ ذَلِكَ، إذْ الْمَعْنَى عَلَى مِثْلِ ثَوَابِ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِنَصِيبِ ابْنِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى مَعْنَى مِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ اهـ
(وَسُئِلَ) عَنْ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ فِيهَا خِلَافٌ طَوِيلٌ بَيْن عُلَمَاءِ مِصْرَ وَنُقِلَتْ مَعَ أَجْوِبَةِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا إلَيْهِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فِي عِدَّةِ أَعْوَامٍ لِطَلَبِ جَوَابِهِ فِيهَا وَهُوَ يَمْتَنِعُ مِنْ الْكِتَابَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي فِيهَا لِبَعْضِ مَشَايِخِهِ فَخَشِيَ مِنْ تَغَيُّرِ خَاطِرِهِ إنْ وَقَعَ مِنْهُ مُخَالَفَةٌ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ لَمَّا تَأَكَّدَ الطَّلَبُ لِجَوَابِهِ اسْتَخَارَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاسْتَعَانَ بِهِ فِي أَنْ يُلْهِمَهُ مَوَانِحَ التَّوْفِيقِ وَيَقْطَعَ عَنْهُ مَوَانِعَ التَّحْقِيقِ إنَّهُ الْجَوَّادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ وَأَفْرَدَ ذَلِكَ بِهَذَا التَّأْلِيفِ، وَسَمَّاهُ التَّحْقِيقُ لِمَا يَشْمَلُهُ لَفْظُ الْعَتِيقِ) سَائِلًا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَأَنْ يَحِلَّهُ، تَقَبَّلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ بِفَضْلِهِ أَعَالِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ آمِينَ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ: أَمَّا السُّؤَالُ فَصُورَتُهُ مَا قَوْلُكُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكُمْ - وَنَفَعَ بِعُلُومِكُمْ الْمُسْلِمِينَ فِي مَكْتُوبِ وَقْفٍ عِبَارَتُهُ: جُعِلَ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى عُتَقَاءِ الْوَاقِفِ بِالسَّوِيَّةِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى وَالطَّوَاشِيَّةِ فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ مُدَّةَ حَيَّاتِهِمْ وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْتَقَلَ إلَى بَاقِي الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ، وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ خَمْسُونَ نَفَرًا، فَإِذَا بَقِيَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ نَفَرًا قُسِّمَ رَيْعُ الْمَوْقُوفِ الْمُخْتَصِّ بِالْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ شَطْرَيْنِ شَطْرٍ: يُصْرَفُ لِلْعُتَقَاءِ الْخَمْسِينَ الْبَاقِينَ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْرُوحِ وَالشَّطْرِ الثَّانِي: يُصْرَفُ لِلْخُدَّامِ بِالْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى الْحَالِّ بِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَالْفَرَّاشِينَ وَالْوَقَّادِينَ بِالْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ، فَهَلْ قَوْلُهُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ خَمْسُونَ نَفَرًا يَخْتَصُّ بِمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ أَمْ لَا فَإِذَا قُلْتُمْ يَخْتَصُّ وَقَدْ انْقَرَضَ الَّذِينَ بَاشَرَهُمْ الْعِتْقُ بِأَسْرِهِمْ وَبَقِيَ الْآنَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِينَ، فَهَلْ يَكُون ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ بَيْنهمْ وَبَيْن جِهَةِ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ، وَيَسْتَحِقُّ أَوْلَادُ الْعُتَقَاءِ جَمِيعُ الرَّيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ الزَّائِدَ عَلَى الْخَمْسِينَ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ بِوُجُودِ وَلَدِهِ الْمُسْتَحَقِّ لِنَصِيبِهِ أَمْ لَا؟ وَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟
هَذَا لَفْظُ السُّؤَالِ وَأَمَّا الْأَجْوِبَةُ عَنْهُ فَمِنْهَا: أَنَّهُ أَرَادَ الْوَاقِفُ بِقَوْلِهِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ نَفَرًا مَا يَشْمَلُ حَقِيقَتَهُ وَمَجَازَهُ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الرِّقِّ عَنْ الْأَصْلِ تَتَضَمَّنُ إزَالَةَ الرِّقِّ عَنْ الْفَرْعِ فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، فَلَا يَدْخُلُ لِجِهَةِ الْحَرَمِ رَيْعُ الْوَقْفِ مَا بَقِيَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْعُتَقَاءَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ نَفَرًا لِاسْتِحْقَاقِهِمْ حِينَئِذٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute