للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَرْضُ أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ قَدْر مُعَيَّنٌ فَإِذَا أَخَلَّ مِنْهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لَهُ أَيْضًا يَلِيق بِمَزِيدِ وَرَعِهِ وَزُهْدِهِ عَلَى أَنَّ الزَّرْكَشِيّ أَشَارَ إلَى تَغْلِيطِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ لَوْ وَرَدَتْ الْجَعَالَةُ عَلَى تَحْصِيلِ شَيْئَيْنِ يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَرَدَّ أَحَدَهُمَا اسْتَحَقَّ نِصْف الْجُعْلِ قَالَ وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ غَيْبَةُ الطَّالِبِ عَنْ الدَّرْسِ بَعْضِ الْأَيَّامِ إذَا قَالَ الْوَاقِفُ مَنْ حَضَرَ شَهْرَ كَذَا فَلَهُ كَذَا فَإِنَّ الْأَيَّامَ مُتَفَاضِلَةٌ فَيَسْتَحِقُّ بِقِسْطِ مَا حَضَرَ تَفَطَّنْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يُغْلَطُ فِيهِ اهـ.

وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْن أَنْ يَتْرُكَ الْمُبَاشَرَةَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَسْتَحِقَّ لِمَا بَاشَرَهُ مَا يُقَابِلُهُ وَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُ مَا لَمْ يُبَاشِرُهُ مُطْلَقًا وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَنْعِ الِاسْتِنَابَةِ وَعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا النَّائِبُ فَلِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَنْصِبهُ وَأَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالشَّرْطِ وَخَالَفَ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَجْعُولِ لَهُ تَمَامَ الْجُعْلِ عِنْد قَصْد الْمُشَارِكِ إعَانَتَهُ جَوَاز الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِمَامَةِ وَالتَّدْرِيسِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْوَظَائِفِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِثْله أَوْ خَيْرًا مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِصِفَتِهِ لَمْ يَحْصُلُ الْغَرَض بِهِ وَشَبَّهَ الِاسْتِنَابَةِ فِي ذَلِكَ بِالتَّوْكِيلِ بِالْمُبَاحَاتِ قَالَ وَيَسْتَحِقُّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كُلَّ الْمَعْلُومِ اهـ.

وَأَشَارَ الزَّرْكَشِيُّ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَوَّلَانِ بِقَوْلِهِ وَمَدْرَكُهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الرِّيعَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَا الْجَعَالَةِ لِأَنَّ شَرْطَهُمَا أَنْ يَقَعَ الْعَمَلُ فِيهِمَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْجَاعِلِ وَالْعَمَلُ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ لِلْجَاعِلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْإِبَاحَةُ بِشَرْطِ الْحُضُورِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَصْلُحُ إلْحَاق مَا قَالَاهُ بِمَسْأَلَةِ الْجَعَالَةِ قَالَ وَهَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاقِفِ فَإِنْ أَذِنَ فَهُوَ كَمَا لَوْ فَوَّضَ إلَيْهِمَا الْقَضَاءَ وَالْوَكَالَةَ وَأَذِنَ لَهُ فَاسْتَنَابَ وَفِي كَوْنِ النَّائِبِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَتَوَلَّى عَنْ الْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي وَعَلَى هَذَا لَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَنِيبُ مِنْ عَزْلِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ هُنَا اهـ.

وَذَلِكَ رَدُّ مَا قَالَهُ أَوَّلًا فَإِنَّا لَمْ نَدَّعِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْإِجَارَةِ أَوْ الْجَعَالَةِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ فِيهِ شَائِبَةً مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَوْلُهُ الْعَمَلُ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ لِلْجَاعِلِ لَا يَضُرُّنَا لِأَنَّهُ يَقَعُ لَهُ نَظِيرُهُ إذْ الْقَصْدُ بِهِ الثَّوَابُ وَالدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ فَضْلًا عَنْ الْمُسْتَنِيب فِيهِ لَهُ مِثْل أَجْرِ فَاعِلِهِ وَقَوْلُهُ: فَلَمْ يَبْقَ. . . إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ حُضُورُ النَّائِبِ كَحُضُورِ الْمُسْتَنِيبِ فَلِمَ يَفُتْ الْحُضُورُ مِنْ أَصْلِهِ وَبِهَذَا اتَّضَحَ كَلَامُ السُّبْكِيّ وَيُؤْخَذُ مِنْ آخِرِ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الِاسْتِنَابَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَنَّهَا لِعُذْرٍ كَالْقَدْرِ الْعَاجِزِ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ سَائِغَةً بِلَا شَكٍّ وَبِهِ صَرَّحَ الدَّمِيرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْد بَحْثِ السُّبْكِيّ السَّابِقِ وَهَذَا فِيمَا لَا يَعْجَزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِهِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْفَخْرِ ابْنِ عَسَاكِرَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ مَدَارِسُ بِدِمَشْقَ يُدَرِّسُ فِيهَا وَكَانَ مَعَهُ الصَّلَاحِيَّة بِالْقُدْسِ يُقِيمُ بِهَذِهِ أَشْهُرًا وَبِهَذِهِ أَشْهُرًا فِي السَّنَةِ مَعَ عِلْمِهِ وَوَرَعِهِ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّنْ وَلِيَ تَدْرِيسَ مَدْرَسَتَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ كَحَلَبِ وَدِمَشْقَ فَأَفْتَى جَمَاعَةٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَيَسْتَنِيبُ مِنْهُمْ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءُ الدِّينِ السُّبْكِيّ وَالشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْبَعْلَبَكُّيُّ وَشَمْسُ الدِّينِ الْقَرَنِيُّ وَالشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْحُسْبَانِيُّ وَمِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ آخَرُونَ وَمَنَعَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ غَيْرُهُمْ وَهَذَا الْأَشْبَهُ لِأَنَّ غَيْبَتَهُ فِي أَحَدِهِمَا لِأَجْلِ الْحُضُور فِي الْأُخْرَى لَيْسَتْ بِعُذْرٍ اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الِاسْتِنَابَةِ آرَاءً أَحَدُهَا لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالنَّوَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ إلَّا إنْ أَخَذْنَا بِقَضِيَّةِ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ قَائِلٌ بِالْإِطْلَاقِ قَوْلُهُ مِنْ وَلِيَ وَظِيفَةً وَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا لَا يَسْتَحِقّ مَعْلُومَهَا لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرُ اهـ.

لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ فَاسْتَنَابَ اسْتَحَقَّ وَالثَّانِي الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ ابْنُ عَسَاكِرَ وَالْبَهَاءُ السُّبْكِيّ كَأَبِيهِ إلَّا عَلَى احْتِمَالٍ مَرَّ عَنْ الْغَزِّيِّ وَالْبَعْلَبَكِّيِّ وَالْحُسْبَانِيِّ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَيْهِ السُّبْكِيّ عَلَى احْتِمَالٍ مَرَّ عَنْ الزَّرْكَشِيّ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ آخِرُ كَلَامِهِ وَالدَّمِيرِيِّ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَيُوَافِقُهُ إفْتَاءُ التَّاجِ الْفَزَارِيّ بِاسْتِحْقَاقِ الْمُكْرَهِ السَّابِقِ إذْ الْمُكْرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>