للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْدَثَ هَذَا الْعَالَمَ)

ــ

[حاشية العطار]

بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْحَقَّ تَعَالَى وَلَوْ أَعْطَاهُ حَرْفَ كُنْ وَأَرَادَ شَيْئًا مَا طَلَبَ إلَّا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ لِيَكُونَ عِنْدَهُ فَافْتَرَقَ الْأَمْرَانِ وَأَنْشَدَ

الْكُلُّ مُفْتَقِرٌ مَا الْكُلُّ مُسْتَغْنِي ... هَذَا هُوَ الْحَقُّ قَدْ قُلْنَا وَلَا نَكْنِي

إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ، وَإِنَّمَا تَفَضَّلَ بِالْمَظَاهِرِ لِحِكْمَةٍ تَعُودُ عَلَى الْعَالَمِ فِي تَعَرُّفِهِمْ.

وَمِنْ هُنَا قَالَ مَنْ قَالَ عَرَفْت اللَّهَ بِاَللَّهِ وَمَا ثَمَّ إلَّا اللَّهَ وَفِعْلَهُ لَكِنْ مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْوِحْدَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ عَلَى خَطَرٍ، وَفِيهَا أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي لَوَاقِحِ الْأَنْوَارِ مِنْ كَمَالِ الْعِرْفَانِ شُهُودُ عَبْدٍ وَرَبٍّ وَكُلُّ عَارِفٍ نَفَى شُهُودَ الْعَبْدِ فِي وَقْتٍ مَا فَلَيْسَ هُوَ بِعَارِفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَاحِبُ حَالٍ وَصَاحِبُ الْحَالِ سَكْرَانُ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ، وَقَالَ فِي بَابِ الْأَسْرَارِ لَا يَتْرُكُ الْأَغْيَارُ إلَّا الْأَغْيَارَ فَلَوْ تَرَكَ تَعَالَى الْخَلْقَ مَنْ كَانَ يَحْفَظُهُمْ وَيَلْحَظُهُمْ لَوْ تُرِكَتْ الْأَغْيَارُ لَتُرِكَتْ التَّكَالِيفُ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الْأَخْبَارُ وَمَنْ تَرَكَ التَّكَالِيفَ كَانَ مُعَانِدًا عَاصِيًا أَوْ جَاحِدًا فَمِنْ كَمَالِ التَّخَلُّقِ بِأَسْمَاءِ الْحَقِّ الِاشْتِغَالُ بِاَللَّهِ وَبِالْخَلْقِ. (قَوْلُهُ: الْخَطَابَةُ) أَيْ الْإِطْنَابُ وَالْمُبَالَغَةُ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْمَكَانِ) قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي الْأَرْبَعِينَ وَاجِبُ الْوُجُودِ سَابِقٌ عَلَى الْعَالَمِ بِالذَّاتِ وَالْوُجُودِ إذْ لَوْلَاهُ لَمَا وُجِدَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ مَعَهُ بِالذَّاتِ وَالْوُجُودِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ قَبْلَ وَمَعَ بِالذَّاتِ وَالْوُجُودِ جَمِيعًا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَهُوَ إذْنٌ مُتَأَخِّرُ الْوُجُودِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ وَاجِبِ الْوُجُودِ بِالزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ زَمَانِيًّا؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا مَعَ مِنْ جُمْلَةِ الْإِضَافَاتِ كَالْأُخُوَّةِ وَالنُّبُوَّةِ فِي أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ إذْ لَوْ كَانَ مَعَ الثَّانِي بِالزَّمَانِ كَانَ الثَّانِي مَعَهُ بِالزَّمَانِ أَيْضًا بَلْ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ ثَبَتَتْ الْمَعِيَّةُ فِي أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَجَبَ عَلَيْك أَنْ تُثْبِتَهَا فِي الشَّيْءِ الثَّانِي، فَظَهَرَ أَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ وَجَائِزَ الْوُجُودِ لَا يَكُونَانِ مَعًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَاعْتِبَارٍ مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ، وَصَحَّ قَوْلُنَا كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ أَحْدَثَ إلَخْ) ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ أَوْ الْوُجُودِيِّ إذْ وُجُودُ الْخَالِقِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى وُجُودِ الْمَخْلُوقِ. قَالَ سَيِّدِي يَحْيَى الشَّاوِيُّ فَإِنْ قُلْت مَا مَعْنَى سَبْقُ الْخَالِقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَمِنْ أَيِّ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ التَّقَدُّمِ وَكَمْ أَقْسَامُ التَّقَدُّمِ؟ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ صَعْبَةٌ عَلَى مَا اعْتَادَهُ الْوَهْمُ فِي التَّقَدُّمِ قُلْت هَذِهِ مَسْأَلَةٌ غَرِقَتْ فِيهَا سُفُنُ الْفَهْمِ وَالْوَهْمِ فَإِنْ فَازَتْ سَفِينَتُك هُنَا فُزْت بِقَصَبِ السَّبْقِ.

فَأَقُولُ وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ فَإِذَنْ نَقُولُ إنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ الزَّمَانِيَّ يَجِبُ نَفْيُهُمَا عَنْ الْبَارِي وَكَمَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْعَالَمِ زَمَانًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ زَمَانًا فَإِنَّا كَمَا نَفَيْنَا التَّقَدُّمَ الزَّمَانِيَّ نَفَيْنَا الْمَعِيَّةَ فَخَلِّصْ سَفِينَتَك مِنْ هَذِهِ اللُّجَّةِ فَإِنَّ مَا لَا يَقْبَلُ الزَّمَانِيَّ، وَلَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ مَكَانِيًّا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ وَالْمَعِيَّةُ الزَّمَانِيَّةُ كَمَا أَنَّ مَا لَا يَقْبَلُ الْمَكَانَ وَلَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ مَكَانِيًّا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ الْمَكَانِيُّ، ثُمَّ قَالَ فَوَاجِبُ الْوُجُودِ سَابِقٌ عَلَى الْعَالَمِ بِالذَّاتِ وَالْوُجُودِ إلَخْ وَقَدْ لُخِّصَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ لِلْفَخْرِ الرَّازِيّ رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ انْتَهَى وَلَمَّا افْتَتَحَ الْعَلَّامَةُ الْغُنَيْمِيُّ حَاشِيَتَهُ عَلَى شَرْحِ السَّنُوسِيِّ لِصُغْرَاهُ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْقَدِيمِ بِالذَّاتِ وَالزَّمَانِ شَنَّعَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُعَاصِرِيهِ مِنْ الْمَغَارِبَةِ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ الزَّمَانِ بِمَعْزِلٍ وَتَكَلَّفَ بَعْضٌ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ وَالْحَقُّ مَعَ الْمُعْتَرِضِ (قَوْلُهُ: أَحْدَثَ هَذَا الْعَالَمَ إلَخْ) قَالَ الْفَلَاسِفَةُ لَوْ كَانَ حَادِثًا لَكَانَ وُجُودُ الصَّانِعِ سَابِقًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَكَانَ حَادِثًا مِثْلَهُ فَإِمَّا بِغَيْرِ مُدَّةٍ وَهُوَ تَنَاقُضٌ أَوْ بِمُدَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ فَيَلْزَمُ ابْتِدَاؤُهُ أَوْ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ قِدَمِ الْعَالَمِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ حِينَئِذٍ عَالَمٌ قَدِيمٌ أَوْ فِيهَا عَالَمٌ قَدِيمٌ.

وَأَجَابَ الشِّهْرِسْتَانِيّ فِي نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا جَاءَهُمْ مِنْ جَعْلِ التَّقَدُّمِ زَمَانِيًّا، وَنَحْنُ نَقُولُ هُوَ تَقَدُّمٌ ذَاتِيٌّ لَا فِي زَمَنٍ وَيُقِرُّ بِهِ تَقَدُّمُ أَمْسِ عَلَى الْيَوْمِ إذْ لَيْسَ زَمَنٌ ثَالِثٌ يَقَعُ فِيهِ التَّقَدُّمُ، وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِقَبْلَ اكْتِفَاءً بِالِاعْتِبَارِ فَالزَّمَنُ حَادِثٌ وَوُجُودُ الصَّانِعِ وَوُجُوبُهُ ذَاتِيٌّ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ اهـ.

قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ رَفْعُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ يُقَرِّبُ الْأَمْرَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>