للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُشَاهَدَ مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِهَا فِيهِمَا (مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ) إلَيْهِ، (وَلَوْ شَاءَ مَا اخْتَرَعَهُ) فَهُوَ فَاعِلٌ بِالِاخْتِيَارِ لَا بِالذَّاتِ (لَمْ يَحْدُثْ بِابْتِدَاعِهِ فِي ذَاتِهِ حَادِثٌ) فَلَيْسَ كَغَيْرِهِ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ فَهُوَ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: ١٦] {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] .

ــ

[حاشية العطار]

الْأَذْهَانِ فَرَفْعُهُمَا أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ وَمَنْ دَامَ فِي عُشِّهِمَا اخْتَبَطَ فِي الْجَهْلِ وَتَلَاطَمَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ الشُّبَهِ فَظَنَّ الْمَدَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ بِالنِّهَايَةِ أَوْ بِعَدَمِ النِّهَايَةِ، وَالتَّأَخُّرُ وَالتَّقَدُّمُ وَذَلِكَ كُلُّهُ يُفْضِي إلَى جَهَالَاتٍ وَقَعَ فِيهَا الْفَلَاسِفَةُ.

(قَوْلُهُ: الْمُشَاهَدُ) أَخَذَهُ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِهَذَا، وَالْمُرَادُ الْمُشَاهَدُ بَعْضُهُ إذْ فِيهِ مَا لَمْ تُشَاهِدْهُ وَقَدْ أَثْبَتَ بَعْضُ الْمُتَأَهِّلِينَ مِنْ الْحُكَمَاءِ وَوَافَقَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ عَالَمًا يُسَمَّى عَالَمُ الْمِثَالِ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ عَالَمَيْ الْمَحْسُوسِ وَالْمَعْقُولِ لَيْسَ فِي تَجَرُّدِ الْمُجَرَّدَاتِ وَلَا فِي مُخَالَطَةِ الْمَادِّيَّاتِ، وَفِيهِ لِكُلِّ مَوْجُودٍ مِنْ الْمُجَرَّدَاتِ وَالْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ حَتَّى الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَالْأَوْضَاعِ وَالْهَيْئَاتِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ مِثَالٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ مُعَلَّقٌ لَا فِي مَادَّةٍ وَمَحَلٍّ يَظْهَرُ لِلْحِسِّ بِمَعُونَةِ مَظْهَرٍ كَالْمِرْآةِ وَالْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ يُنْتَقَلُ مِنْ مَظْهَرٍ إلَى مَظْهَرٍ، وَقَدْ يَبْطُلُ كَمَا إذَا فَسَدَتْ الْمِرْآةُ أَوْ الْخَيَالُ أَوْ زَالَتْ الْمُقَابَلَةُ أَوْ التَّخَيُّلُ وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ عَالَمٌ عَظِيمُ الْفُسْحَةِ غَيْرُ مُتَنَاهٍ يَحْذُو حَذْوَ الْعَالَمِ الْحِسِّيِّ لَا تَتَنَاهَى عَجَائِبُهُ وَلَا تُحْصَى مُدَّتُهُ وَمِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْمُدُنِ جَابَلْقَا وَجَابَرْصَا وَهُمَا مَدِينَتَانِ عَظِيمَتَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفُ بَابٍ لَا يُحْصَى مَا فِيهِمَا مِنْ الْخَلَائِقِ، وَأَنَّ جَمِيعَ مَا يُرَى فِي الْمَنَامِ أَوْ يُتَخَيَّلُ فِي الْيَقَظَةِ بَلْ يُشَاهَدُ فِي الْأَمْرَاضِ وَعِنْدَ غَلَبَةِ الْخَوْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ الْمِقْدَارِيَّةِ الَّتِي لَا تَحَقُّقَ لَهَا فِي عَالَمِ الْحِسِّ كُلِّهَا مِنْ عَالَمِ الْمِثَالِ، وَكَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْغَرَائِبِ وَخَوَارِقِ الْعَادَاتِ كَمَا يُحْكَى عَنْ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ أَنَّهُ مَعَ إقَامَتِهِ بِبَلَدِهِ كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَيَّامَ الْحَجِّ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْ بَعْضِ جُدْرَانِ الْبَيْتِ أَوْ خَرَجَ مِنْ بَيْتٍ مَسْدُودِ الْأَبْوَابِ وَالْكَوَّاتِ، وَأَنَّهُ أَحْضَرَ بَعْضَ الْأَشْخَاصِ أَوْ الثِّمَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ فِي زَمَانٍ قَرِيبٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ قَالَ وَلَمَّا كَانَتْ الدَّعْوَى عَالِيَةً وَالشُّبْهَةُ وَاهِيَةً لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْحُكَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ.

أَقُولُ جَعَلَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ لِلصُّوَرِ الْمُشَاهَدَةِ فِي الْمِرْآةِ مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الْعَالَمِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَيَاكِلِ السُّهْرَوَرْدِيّ وَقَدْ نَقْلنَا عِبَارَتَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (قَوْلُهُ: لَا بِالذَّاتِ) أَيْ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ كَمَا قَالَ الْفَلَاسِفَةُ.

(قَوْلُهُ: حَادِثٌ) أَيْ مِنْ تَعَبٍ وَنَصَبٍ كَمَا قَالَ الْيَهُودُ إنَّهُ ابْتَدَأَ خَلْقَ الْخَلْقِ يَوْمَ الْأَحَدِ وَاسْتَرَاحَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ الْمَعْنَى لَمْ يَحْدُثْ فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ بِإِحْدَاثِ الْعَالَمِ وَإِلَّا لَكَانَ إمَّا نَقْصًا وَهُوَ مُحَالٌ أَوْ كَمَالًا فَيَلْزَمُ النَّقْصُ قَبْلَ حُصُولِهِ فَإِنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ اسْتِوَاءُ الْأُمُورِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بِحَيْثُ لَا غَرَضَ لَهُ يَبْعَثُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَإِنَّ هَذَا جَبْرٌ مُنَافٍ لِلِاخْتِيَارِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَلَى الْإِطْلَاقِ مُنَزَّهٌ عَنْ تَقَلُّبَاتِ الْأَطْوَارِ وَتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ وَمَا وَرَدَ مُوهِمًا لِذَلِكَ أُوِّلَ بِالْحِكْمَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الرَّاجِعَةِ إلَيْنَا نَحْوُ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] أَيْ لِيَسْعَدُوا بِعِبَادَتِي فَإِنَّهَا رَأْسُ النِّعَمِ قَوْلُهُ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْكَافِ وَمِثْلُ صِلَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَقِيلَ مِثْلُ بِمَعْنَى ذَاتٍ أَوْ صِفَاتٍ، وَقِيلَ إنَّهُ كِنَايَةٌ عَلَى حَدِّ مِثْلُك لَا يَبْخَلُ يُرِيدُونَ أَنْتَ لَا تَبْخَلُ وَقِيلَ بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَكَانَ هُوَ مَثَلًا لِمِثْلِهِ فَلَا يَصْدُقُ نَفْيُ مِثْلِ الْمِثْلِ إلَّا بِنَفْيِ الْمِثْلِ مِنْ أَصْلِهِ نَظِيرُ لَيْسَ لِأَخِي زَيْدٍ أَخٌ أَيْ لَا أَخَ لِزَيْدٍ قَوْلُهُ {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] لَا يُقَالُ إنَّ فِي تَقْدِيمِ السَّمْعِ عَلَى الْبَصَرِ مَا يُشْعِرُ بِأَفْضَلِيَّتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نَجْتَزِئُ عَلَى التَّفَاضُلِ فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى بَلْ كُلُّهَا مُتَسَاوِيَةٌ نَعَمْ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاضُلِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِي الْحَادِثِ وَلَا ثَمَرَةَ فِي ذَلِكَ، وَاتِّحَادُ الدِّيَةِ فِيهِمَا يَقْضِي بِالتَّسَاوِي وَفِي الْيَوَاقِيتِ لِلْعَارِفِ الشَّعْرَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى مُتَسَاوِيَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِرُجُوعِهَا كُلِّهَا إلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ وَقَعَ تَفَاضُلٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَقَالَ الشَّعْرَانِيُّ أَيْضًا كَانَ سَيِّدِي عَلِيٌّ وَفَا يَذْهَبُ إلَى التَّفَاضُلِ فِي الْأَسْمَاءِ وَيَقُولُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: ٤٠] هُوَ الِاسْمُ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>