للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَنْقَسِمُ) بِوَجْهٍ (وَلَا يُشَبَّهُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ أَيْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ شَبَهٌ (بِوَجْهٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدِيمٌ) أَيْ (لَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ) وَلَا انْتِهَاءَ إذْ لَوْ كَانَ حَادِثًا لَاحْتَاجَ إلَى مُحْدِثٍ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ (حَقِيقَتُهُ) تَعَالَى (مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الْحَقَائِقِ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ لَيْسَتْ مَعْلُومَةً الْآنَ) أَيْ فِي الدُّنْيَا لِلنَّاسِ، وَقَالَ كَثِيرٌ إنَّهَا مَعْلُومَةٌ لَهُمْ الْآنَ لِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْعِلْمِ بِوَحْدَانِيِّتِهِ وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِحَقِيقَتِهِ.

وَأُجِيبَ بِمَنْعِ التَّوَقُّفِ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ بِالْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ بِوَجْهٍ وَهُوَ تَعَالَى يُعْلِمُ بِصِفَاتِهِ كَمَا أَجَابَ بِهَا مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِرْعَوْنَ السَّائِلَ عَنْهُ تَعَالَى كَمَا قَصَّ عَلَيْنَا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٢٣] إلَخْ (وَاخْتَلَفُوا) أَيْ الْمُحَقِّقُونَ (هَلْ يُمْكِنُ عِلْمُهَا فِي الْآخِرَةِ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ لِحُصُولِ الرُّؤْيَةِ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي وَبَعْضُهُمْ لَا، وَالرُّؤْيَةُ لَا تُفِيدُ الْحَقِيقَةَ.

(لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ)

ــ

[حاشية العطار]

رَوَى أَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الصَّانِعَ لَمْ يَرِدْ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فَرْقًا بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَإِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى مَفْهُومٍ كُلِّيٍّ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَا هُنَا ثُمَّ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِطْلَاقِ التَّوَاتُرُ كَمَا قَالَهُ الْمُقْتَرَحُ.

وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَمَلِيَّةٌ لَا اعْتِقَادِيَّةٌ وَخَبَرُ الْآحَادِ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الْعَمَلِيَّاتِ.

(قَوْلُهُ: لَا يَنْقَسِمُ بِوَجْهٍ) أَيْ لَا بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْوَهْمِ وَلَا بِالْغَرَضِ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلْوَاحِدِ الْحَقِيقِيِّ وَنَفْيُ الِانْقِسَامِ نَفْيٌ لِلْكَمِّ الْمُتَّصِلِ، وَقَوْلُهُ وَلَا يُشْبِهُ إلَخْ نَفْيٌ لِلْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ فَالْكُمُّ الْمُتَّصِلُ هُوَ الْمِقْدَارُ وَالْكُمُّ الْمُنْفَصِلُ هُوَ الْعَدَدُ فَالْمَعْنَى أَنَّ التَّرْكِيبَ الْحَاصِلَ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِ الْأَجْزَاءِ وَالْعَدَدَ الْحَاصِلَ بِفَرْضِ نَظِيرٍ مَنْفِيَّانِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَوْلُهُمْ لِنَفْيِ الْكَمِّ أَيْ لِنَفْيِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْكَمُّ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ) جَرَى عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ مِنْ أَنَّ مَفْهُومَ الْقِدَمِ كَالْبَقَاءِ سَلْبِيٌّ وَعَلَيْهِ الْمُقْتَرَحُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَقَالَ الشَّرِيفُ زَكَرِيَّا وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ آخِرًا وَقَرَّرَهُ بِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إمَّا حَادِثٌ وَإِمَّا قَدِيمٌ فَالْحَادِثُ مَا لَهُ أَوَّلٌ وَهُوَ مَا سَبَقَ عَدَمُهُ وُجُودَهُ، وَالْقَدِيمُ مَا لَا أَوَّلَ لَهُ وَهُوَ سَلْبُ مَا وَجَبَ لِلْحَادِثِ فَالْقِدَمُ إذَنْ نَفْيُ الْأَوَّلِيَّةِ وَنَفْيُ الْأَوَّلِيَّةِ سَلْبٌ مَحْضٌ، وَكَذَا قَالَ فِي الْبَقَاءِ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ دَوَامِ الْوُجُودِ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَفِي مِنْهُ الْعَدَمُ اللَّاحِقُ وَهَذَا مُخْتَارُنَا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَا انْتِهَاءَ) تَفْسِيرٌ لِلْقَدِيمِ بِاللَّازِمِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَفْهُومُ الْبَقَاءِ وَلَمَّا كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ أُخِذَ فِي أَحَدِهِمَا تَفْسِيرُ صَاحِبِهِ، وَقَوْلُهُ إذْ لَوْ كَانَ حَادِثًا إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلِابْتِدَاءِ لِوُجُودِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا انْتِهَاءَ فَتَرْكُهُ قِدَمَهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ.

قَالَ الْعَكَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْكُبْرَى اتَّفَقَتْ الْعُقَلَاءُ عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَأُورِدَ عَدَمُنَا فِي الْأَزَلِ وَأُجِيبَ بِتَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالْمَوْجُودَاتِ فَإِنْ قُلْت عَدَمُنَا فِي الْأَزَلِ وَاجِبٌ كَعَدَمِ الْمُسْتَحِيلِ فَلِمَ جَازَ انْقِطَاعُهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ وُجُوبَ عَدَمِنَا مُقَيَّدٌ بِالْأَزَلِ فَهُوَ مُمْكِنٌ فِيمَا يُزَالُ، وَأَمَّا عَدَمُ الْمُسْتَحِيلِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَالَ الْفِهْرِيُّ إنَّ الْإِيرَادَ مِنْ أَصْلِهِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ وُجُودَنَا قَطَعَ عَدَمَنَا فِيمَا لَا يَزَالُ لَا فِي الْأَزَلِ، وَإِلَّا لَوُجِدْنَا فِي الْأَزَلِ وَهُوَ مُحَالٌ (قَوْلُهُ: حَقِيقَتُهُ تَعَالَى) ذَكَرَهَا لِلْمُشَاكَلَةِ وَإِلَّا فَقَدْ مَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي اللَّهِ (قَوْلُهُ: وَبَعْضُهُمْ لَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ إنْ سَأَلَنَا سَائِلٌ عَنْ اللَّهِ مَا هُوَ قُلْنَا إنْ أَرَادَ مَا اسْمُهُ فَاَللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَإِنْ أَرَادَ مَا صِفَتُهُ فَسَمِيعٌ بَصِيرٌ وَإِنْ أَرَادَ مَا فِعْلُهُ فَخَلْقُ الْمَخْلُوقَاتِ وَوَضْعُ كُلِّ شَيْءٍ مَوْضِعَهُ وَإِنْ أَرَادَ كُنْهَهُ فَهُوَ مُتَعَالٍ عَنْ الْمِثَالِ وَالْجِنْسِ اهـ.

اللَّهُ أَعْظَمُ قَدْرًا أَنْ يُحِيطَ بِهِ ... عِلْمٌ وَعَقْلٌ وَرُؤًى جَلَّ سُلْطَانَا

(قَوْلُهُ: وَالرُّؤْيَةُ لَا تُفِيدُ الْحَقِيقَةَ) فَإِنَّهَا عَلَى خِلَافِ الرُّؤْيَةِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي الدُّنْيَا إذْ هِيَ بِلَا كَيْفٍ وَلَا جِهَةٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي قَالَ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ: وَأَمَّا مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكُنْهِ فَغَيْرُ وَاقِعَةٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِامْتِنَاعِهَا كَحُجَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى دَلِيلٍ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ سِوَى مَا قَالَ أَرِسْطُو فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ كَمَا تَعْتَرِي الْعَيْنَ عِنْد التَّحَقُّقِ فِي جُرْمِ الشَّمْسِ ظُلْمَةٌ وَكُدْرَةٌ تَمْنَعُهَا عَنْ تَمَامِ الْإِبْصَارِ كَذَلِكَ تَعْتَرِي الْعَقْلَ عِنْدَ إرَادَةِ اكْتِنَاهِ ذَاتِهِ تَعَالَى حِيرَةً وَدَهْشَةً تَمْنَعُهُ عَنْ اكْتِنَاهِهِ وَهُوَ كَمَا تَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>