لَجَازَ أَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا وَالْآخَرُ ضِدَّهُ الَّذِي لَا ضِدَّ لَهُ غَيْرُهُ كَحَرَكَةِ زَيْدٍ وَسُكُونِهِ فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ الْمُرَادَيْنِ وَعَدَمُ وُقُوعِهِمَا لِامْتِنَاعِ ارْتِفَاعِ الضِّدَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَاجْتِمَاعِهِمَا فَيَتَعَيَّنُ وُقُوعُ أَحَدِهِمَا فَيَكُونُ مُرِيدُهُ هُوَ الْإِلَهُ دُونَ الْآخَرِ لِعَجْزِهِ فَلَا يَكُونُ الْإِلَهُ إلَّا وَاحِدٌ أَوْ إطْلَاقُ الْمُتَكَلِّمِينَ اسْمَ الصَّانِعِ عَلَيْهِ تَعَالَى مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: ٨٨] .
(وَالْوَاحِدُ الشَّيْءُ الَّذِي
ــ
[حاشية العطار]
جَرَى السَّنُوسِيُّ فِي كُبْرَاهُ وَكَلَامُ الْخَيَالِيِّ فِي حَوَاشِي الْعَقَائِدِ يَمِيلُ إلَى الثَّانِي، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ أَدِلَّةَ الْعَقَائِدِ مِنْهَا مَا هُوَ عَقْلِيٌّ مَحْضٌ كَأَدِلَّةِ الصِّفَاتِ التَّأْثِيرِ وَمَا هُوَ سَمْعِيٌّ كَأَحْوَالِ الْمَعَادِ وَمِنْهَا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ كَالْوَحْدَانِيَّةِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِنَادِ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ إلَى الشَّرْعِ، وَإِلَّا لَمْ يَتَمَيَّزْ عِلْمُ الْكَلَامِ عَنْ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ الْفَلَاسِفَةُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْخَيَالِيُّ إنَّ الْأَحْكَامَ الِاعْتِقَادِيَّةَ إنَّمَا يُعْتَدُّ بِهَا إذَا أُخِذَتْ مِنْ الشَّرْعِ وَالْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ جَعَلَ الْآيَةَ أَعْنِيَ قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] حُجَّةً إقْنَاعِيَّةً قَالَ: لِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ عَادِيَةٌ عَلَى مَا هُوَ اللَّائِقُ بِالْخِطَابِيَّاتِ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِوُجُودِ التَّمَانُعِ وَالتَّغَالُبِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْحَاكِمِ عَلَى مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون: ٩١] وَإِلَّا فَإِنْ أُرِيدَ الْفَسَادُ بِالْفِعْلِ أَيْ خُرُوجُهُمَا عَنْ هَذَا النِّظَامِ الْمُشَاهَدِ فَمُجَرَّدُ التَّعَدُّدِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ لِجَوَازِ الِاتِّفَاقِ عَلَى هَذَا النِّظَامِ، وَإِنْ أُرِيدَ إمْكَانُ الْفَسَادِ فَلَا دَلِيلَ عَلَى انْتِفَائِهِ بَلْ النُّصُوصُ شَاهِدَةٌ بِطَيِّ السَّمَاوَاتِ رُفِعَ هَذَا النِّظَامُ فَيَكُونُ مُمْكِنًا لَا مَحَالَةَ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ مُعَاصِرِيهِ إنَّهُ تَعْيِيبٌ لِبَرَاهِينِ الْقُرْآنِ وَهُوَ كُفْرٌ.
وَأَجَابَ بَعْضُ مَنْ انْتَصَرَ لَهُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ يَحْتَوِي عَلَى الْأَدِلَّةِ الْإِقْنَاعِيَّةِ وَالْقَطْعِيَّةِ بِحَسَبِ أَحْوَالِ الْمُخَاطَبِينَ، وَهُوَ مِنْ الْبَلَاغَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَم أَنَّ مَبْحَث الْوَحْدَانِيَّةِ أَشْرَفُ مَبَاحِثِ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ بِهِ فَقِيلَ عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَقَدْ كَثُرَ ذِكْرُهُ فِي الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَرَمَزَ إلَيْهِ الْعَارِفُونَ فِي كَلَامِهِمْ قَالَ سَيِّدِي عَلِيٌّ وَفَا
وَحَّدْت عَبْدَك فِي الْهَوَى يَا سَيِّدِي ... وَأَرَى الْعَبِيدَ تُوَحِّدُ السَّادَاتِ
إنْ شِئْت عِدْنِي بِالْوِصَالِ وَلَا تَفِي ... أَوْ شِئْت وَاصِلْنِي مَدَى السَّاعَاتِ
فَمَنْ اسْتَقَرَّ عَلَى شُهُودٍ وَاحِدٍ ... لَمْ يَلْتَفِتْ يَوْمًا إلَى مِيقَاتِ
وَحَيَاةِ وَجْهِك قَدْ مَلَأْت جَوَانِحِي ... وَعَمَّرْت مِنِّي سَائِرَ الذَّرَّاتِ
وَحَجَبْت عَنِّي الْغَيْرَ حِينَ ظَهَرْت لِي ... فَكَأَنَّمَا الْخَلَوَاتُ فِي الْجَلَوَاتِ
حَضَرَ الْحَبِيبُ فَلَسْت أَذْكُرُ فَائِتًا ... أَبَدًا وَلَا أَلْهُو بِمَا هُوَ آتِ
وَقَدْ نَقَلَ الشَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الصُّغْرَى عَنْ البيلِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ ابْنِ عَرَفَةَ الْفِقْهِيِّ أَنَّ التَّوْحِيد مَصْدَرُ وَحَّدَ الْعَبْدُ رَبَّهُ يُوَحِّدُهُ تَوْحِيدًا فَهُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ حَادِثٌ، وَالتَّوَحُّدُ مَصْدَرُ تَوَحَّدَ اللَّهُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ يَتَوَحَّدُ تَوَحُّدًا بِمَعْنَى اتَّصَفَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ فَهُوَ قَدِيمٌ فَالتَّوْحِيدُ كَالتَّقْدِيسِ حَادِثٌ وَالتَّوَحُّدُ كَالتَّقَدُّسِ قَدِيمٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَجَازَ أَنْ يُرِيدَ إلَخْ) لَا يُقَالُ يَلْزَمُ هَذَا التَّمَانُعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ فِي فِعْلِ الْعَبْدِ عَلَى كَلَامِ الْقَدَرِيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكُفْرُ إثْبَاتُ شَرِيكٍ فِي الْأُلُوهِيَّةِ وَاسْتِحْقَاقُ الْعِبَادَةِ لَا فِي تَأْثِيرٍ مَا فَالْقَدَرِيَّةُ وَإِنْ قَالُوا الْعَبْدُ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ إقْدَارَهُ عَلَيْهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يُقَالُ أَنَّهُمْ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَلْ أَسْوَأُ حَالًا إذْ الْمَجُوسُ قَالُوا بِمُؤَثِّرَيْنِ وَهَؤُلَاءِ يُثْبِتُوا مَا لَا حَصْرَ لَهُ مِنْ الْمُؤَثِّرِينَ فَخُرِّجَ مَخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ لِلزَّجْرِ.
(قَوْلُهُ: كَحَرَكَةِ زَيْدٍ وَسُكُونِهِ) أَيْ بِأَنْ تَتَعَلَّقَ إرَادَتُهُمَا مَعًا بِإِيجَادِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا بِدْعَ فِي اجْتِمَاعِهِمَا إذْ لَا تَضَادَّ بَيْنَهُمَا بَلْ بَيْنَ الْمُرَادَيْنِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: دُونَ الْآخَرِ) أَيْ فَلَيْسَ إلَهٌ وَمَا يُقَالُ زِيَادَةً عَلَى مَا هُنَا وَمَا جَازَ عَلَى أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ جَازَ عَلَى الْآخَرِ فَيَلْزَمُ عَجْزُ الثَّانِي أَيْضًا فَيُؤَدِّي إلَى عَدَمِ الْإِلَهِ الْمُؤَدِّي إلَى عَدَمِ الْعَالَمِ الْمُشَاهَدِ زِيَادَةً فِي الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: مَأْخُوذٌ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِوُرُودِ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ عَلَى أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ