عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ (خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ) فِي قَوْلِهِ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْإِيمَانِ مِنْ النَّظَرِ وَعَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالتَّقْلِيدِ الْجَازِمِ فِي الْإِيمَانِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَلْيَجْزِمْ) أَيْ الْمُكَلَّفُ (عَقْدَهُ بِأَنَّ الْعَالَمَ) وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ وَصِفَاتِهِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ غَيْرَهُ كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ عَيْنَهُ (مُحْدَثٌ)
ــ
[حاشية العطار]
وَلَا الرَّسُولَ مِنْ الْمُرْسِلِ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ مَعْنَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَقُولُ سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْته هَلْ يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ أَمْ لَا فَأَجَابُوا كُلُّهُمْ بِأَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِنَصِيبٍ وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِإِيمَانٍ وَلَا بِإِسْلَامٍ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجُوسِيِّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ إلَّا فِي الْقَتْلِ لِظَاهِرِ الشَّهَادَةِ.
وَنَقَلَ هَذَا صَاحِبُ الْمِعْيَارِ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَزَادَ لَا نِكَاحَ لَهُ وَلَا طَلَاقَ فَإِنْ عَلِمَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ الشَّرَائِعَ صَحَّ عَقْدُهُ عَلَيْهَا وَلَوْ بَعْدَ بَتَاتٍ سَابِقٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ عَقْدِهِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ فَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ الَّذِي هُوَ عَدَمُهَا قَالَ سَيِّدٌ الشَّاوِيُّ الْمَغْرِبِيُّ الْجَزَائِرِيُّ مَا فَرَضَهُ عُلَمَاءُ بِجَايَةَ مِنْ هَذَا الَّذِي حَكَمُوا عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمَجُوسِيِّ أَنَّهُ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ وَتُصَوِّرَ مِنْ هَذَا الْجَهْلِ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّقْلِيدُ إذْ هُوَ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَخْتَصُّ الْمُقَلِّدُ بِمَنْ نَشَأَ فِي شَاهِقِ جَبَلٍ كَمَا قَالَهُ التَّفْتَازَانِيُّ قَائِلًا مَا مَنْ كَانَ يَنْظُرُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَهُوَ عَارِفٌ لَا مُقَلِّدٌ فَكَلَامُ التَّفْتَازَانِيِّ مُعْتَرَضٌ بِهَذَا الْمَنْقُولِ عَنْ فُقَهَاءِ بِجَايَةَ وَغَيْرِهِمْ وَبِالْمُشَاهَدَةِ الَّتِي نَرَاهَا فِيمَنْ مَعَنَا وَيُخَالِطُنَا وَيَحْضُرُ مَجَالِسَ الْعِلْمِ وَمَا وَصَلَ لِمَرْتَبَةِ التَّقْلِيدِ مِنْ الطَّلَبَةِ فَكَيْفَ بِالْعَوَامِّ، وَقَدْ رَأَيْت عَوَامًّا يَعْتَقِدُونَ الْجِهَةَ وَمَنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُمْ فَقَدْ جَحَدَ الضَّرُورَةَ، وَيَعْتَقِدُونَ تَأْثِيرَ الْعَبْدِ وَتَأْثِيرَ الْأَسْبَابِ بَلْ قَالَ الشَّيْخُ السَّنُوسِيُّ رَزَقَنِي اللَّهُ مَسَائِلَ قَدْ اُبْتُلِيَ بِالْغَلَطِ فِيهَا مَنْ عُرِفَ بِكَثْرَةِ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ قِيلَ أَشَارَ لِابْنِ ذِكْرِيٍّ فَانْظُرْ هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِي لَا تُجْحَدُ كَيْفَ يَصِحُّ مَا قَالَهُ التَّفْتَازَانِيُّ.
وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ مَرَّاكُشَ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ شَاهَدَ أَهْلَ بَلَدِهِ قُلُوبَهُمْ صَافِيَةً مِنْ التَّخْلِيطِ عَارِيَّةً عَنْ دَرَجَةِ التَّقْلِيدِ فَلَا يَعُمُّ حُكْمُهُ قَوْمًا نُشَاهِدُهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ فَإِنَّ أَحْمَقَ النَّاسِ مَنْ تَرَكَ يَقِينَهُ لِظَنِّ غَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّاوِيِّ.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ) قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ: وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ نَظَرَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَسَمِعَ مِنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي إجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي كُفْرِهِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّهُ هَلْ يُعَاقَبُ عِقَابَ الْكَافِرِ فَقَالَ الْكَثِيرُونَ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ، وَالْجَهْلُ بِذَلِكَ كُفْرٌ وَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: ٩٤] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَدَخَلَ مَسْجِدَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَهُوَ مُسْلِمٌ» مَحْمُولٌ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ، وَقَالَ بَعْضُ ذَوِي التَّحْقِيقِ مِنْهُمْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَكِنَّهُ مُصَدِّقٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ عِقَابُهُ لِذَلِكَ اهـ. بِنَصِّهِ وَلَا مِرْيَةَ فِي مُخَالَفَتِهِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ. اهـ.
نَقَلَهُ النَّاصِرُ قَالَ سم لَوْ ثَبَتَتْ الْمُخَالَفَةُ الْمَذْكُورَةُ لَمْ تَضُرَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ إذْ لَا يَلْزَمُهُمَا تَقْلِيدُ التَّفْتَازَانِيِّ فِي كُلِّ مَا يَنْقُلُهُ وَكَثِيرًا مَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي النَّقْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْتَرَضَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَقْلِ غَيْرِ الْمُخَالِفِ لِنَقْلِهِ اهـ.
وَهَذَا الْجَوَابُ كَافٍ فَلَا حَاجَةَ بَعْدَهُ لِمَا أَطَالَ بِهِ مِمَّا لَا يَكَادُ يَسْلَمُ عَنْ خَدْشٍ (قَوْلُهُ: فَلْيَجْزِمْ) أَيْ الْمُكَلَّفُ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ وَعَقَدَهُ أَيْ اعْتِقَادَهُ نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ أَوْ الْمَفْعُولِيَّةِ بِتَضْمِينِ يَجْزِمْ مَعْنَى يَخْلُصْ وَكَانَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ قَوْلَ الْمَتْنِ عَقَدَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ وَيَكُونُ الْإِسْنَادُ حِينَئِذٍ مَجَازِيًّا وَمَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ أَقْعَدُ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ إلَخْ) يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الْعَالَمَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْمُمْكِنَاتِ الْمَوْجُودَةِ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ لَهُ أَفْرَادٌ بَلْ أَجْزَاءٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَمْعُهُ فِي مِثْلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِلْقَدَرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْكُلِّ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الْأَجْنَاسِ إذْ يُقَالُ عَالَمُ الْأَجْسَامِ وَعَالَمُ الْأَعْرَاضِ وَعَالَمُ الْأَرْوَاحِ وَعَالَمُ الْإِنْسَانِ أَوْ الْحَيَوَانِ أَوْ النَّبَاتِ وَالْعَالَمُ الْعُلْوِيُّ وَالْعَالَمُ السُّفْلِيُّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَزَيْدٌ لَيْسَ بِعَالَمٍ بَلْ مِنْ الْعَالَمِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْكَشَّافِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمَوْلَى الْخَيَالِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَثْنَاهَا إلَى أَنَّ الْغَيْرَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَمَنْ لَمْ يَسْتَثْنِهَا وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ وَلَا حَاجَةَ إلَخْ نَظَرٌ إلَى أَنَّهُ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ، وَهُوَ أَنَّهَا لَيْسَتْ غَيْرًا مُنْفَكًّا فَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ لَكِنْ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَاشِيَةِ الْخَيَالِيِّ