للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ أَيْ السَّاعَةُ» ، كَمَا صَرَّحَ بِهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَيْ لِابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ بِقَوْلِهِ «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَيَدُلُّ لِلْوُقُوعِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا «أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا هَذَا» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَفِي مُسْلِمٍ حَدِيثُ «إنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيُتْرَكُ فِيهَا الْجَهْلُ» وَنَحْوُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ» ، وَالْمُرَادُ بِرَفْعِ الْعِلْمِ قَبْضُ أَهْلِهِ وَلِمُعَارَضَةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِلْأَوَّلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَمْ يَثْبُتْ وُقُوعُهُ دُونَ لَا يَقَعُ وَيُمْكِنُ رَدُّ الْأَوَّلِ إلَيْهَا بِأَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَةِ مَا قَرُبَ مِنْهَا.، (وَإِذَا عَمِلَ الْعَامِّيُّ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ) فِي حَادِثَةٍ (فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ) إلَى غَيْرِهِ فِي مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ الْتَزَمَ ذَلِكَ الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ (وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ) بِهِ (بِمُجَرَّدِ الْإِفْتَاءِ) فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِ فِيهِ (وَقِيلَ) يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ (بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ) بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشْرَعْ (وَقِيلَ) يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ

ــ

[حاشية العطار]

وُقُوعُهُ أَوْ عَدَمُ وُقُوعِهِ لَكِنَّهُ آثَرَ التَّعْبِيرَ بِلَمْ يَثْبُتْ وُقُوعُهُ لِمُعَارَضَةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ) فِيهِ أَنَّ ظُهُورَهُمْ عَلَى الْحَقِّ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بِمَرْتَبَةِ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ) أَيْ الْمُجْتَهِدُونَ حَتَّى تَتِمَّ الدَّعْوَى وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ) أَيْ عُمُومًا فَلَا يُنَافِي الْوُقُوعَ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَيَنْتَزِعُهُ بَدَلٌ مِنْ يَقْبِضُ الْمَنْفِيُّ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا وَرُؤَسَاءُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا وَفَتْحِ سِينٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ جَمْعُ رَئِيسٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْهَمْزَةِ بَعْدَهَا الرَّاءُ وَفَتْحِ السِّينِ مَنُونَةً جَمْعُ رَأْسٍ بِمَعْنَى رَئِيسٍ وَاِتَّخَذَ بِمَعْنَى صَيَّرَ مَفْعُولُهُ الْأَوَّلُ جُهَّالًا وَالثَّانِي رُءُوسًا أَيْ اتَّخَذَ النَّاسُ الْجُهَّالَ رُءُوسًا.

(قَوْلُهُ: وَيُتْرَكُ فِيهَا الْجَهْلُ) أَيْ يُتْرَكُ بِلَا رَفْعٍ (قَوْلُهُ: وَلِمُعَارَضَةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إلَخْ) قَالَ النَّجَّارِيُّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخُلُوِّ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ وُقُوعِ الْخُلُوِّ فَالْأَوَّلُ يُعَارِضُهَا فِي ثُبُوتِ الْوُقُوعِ فَالْمُنَاسِبُ إسْنَادُ الْمُعَارَضَةِ إلَيْهِ لَا إلَيْهَا كَمَا يُعْرَفُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ السَّلَفِ ذُكِرَ لَهُ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ فَقَالَ «اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْته مِنْ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قِيلَ وَكَيْفَ هَذَا وَقَدْ جَاءَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ لَا بُدَّ لِلزَّمَانِ أَنْ يَتَنَفَّسَ رَأَيْتُهُ فِي تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي خُطْبَةِ كِتَابِ تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ كُلَّ عَامٍ تُرْذَلُونَ فَلَا أَصْلَ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ رَدُّ الْأَوَّلِ إلَيْهَا إلَخْ) أَيْ فَيَثْبُتُ الْوُقُوعُ لِسَلَامَةِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُقُوعِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ غَيْرِ الْمُطْلَقِ وَحَمْلِ الْبَقِيَّةِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَهُوَ مَنْ اسْتَقَلَّ بِقَوَاعِدَ لِنَفْسِهِ يَبْنِي عَلَيْهَا الْفِقْهَ خَارِجًا عَنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ الْمُقَرَّرَةِ، وَهَذَا مَفْقُودٌ مِنْ دَهْرٍ طَوِيلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ الْمُنِيرِ وَابْنُ الْحَاجِّ وَمِنْ أَئِمَّتِنَا ابْنُ بُرْهَانَ وَالنَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ اهـ. زَكَرِيَّا.

أَقُولُ قَدْ سَلَفَ مِنَّا نَقْلٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ أَثْبَتَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ لِوَالِدِهِ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ وَنُقِلَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ عَنْهُ أَقْوَالًا انْفَرَدَ بِهَا عَنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَأَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَصْرِ النَّوَوِيِّ لَكِنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَ تِلْمِيذِهِ ابْنِ الْعَطَّارِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِمِائَةٍ بِدِمَشْقَ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا عَمِلَ الْعَامِّيُّ إلَخْ) قَالَ سم ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ إلَى فَرْعٍ مِنْ الْعَمَلِ وَيُؤَيِّدُهُ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِالشُّرُوعِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ ثُمَّ أَبْطَلَهُ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ كَمَا أَنَّ قَضِيَّةَ الِاكْتِفَاءِ بِالشُّرُوعِ عَلَى الْقَوْلِ الْآتِي أَنَّهُ لَوْ أَبْطَلَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ لِحُصُولِ الشُّرُوعِ اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي مِثْلِهَا) إفْصَاحٌ عَمَّا أَرَادَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ كَالزَّرْكَشِيِّ بِقَوْلِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْعَيْنِ النَّوْعُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَإِذَا عَمِلَ الْعَامِّيُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: إلَى غَيْرِهِ فِيهِ) أَيْ فِي غَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>