للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ لِلْمُجْتَهِدِ وَلَا نُسَلِّمُ وُقُوعَهُ مِنْ غَيْرِهِ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَثَالِثُهَا) يَجُوزُ لَهُ (عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ الْمُجْتَهِدُ، (وَرَابِعُهَا) يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ الْإِفْتَاءُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا) عَلَى التَّفْرِيعِ وَالتَّرْجِيحِ (لِأَنَّهُ نَاقِلٌ) لِمَا يُفْتِي بِهِ عَنْ إمَامِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِنَقْلِهِ عَنْهُ وَهَذَا الْوَاقِعُ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ

(وَيَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ) أَيْ أَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مُجْتَهِدٌ (خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ) فِي مَنْعِهِمْ الْخُلُوَّ عَنْهُ (مُطْلَقًا وَلِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ) فِي مَنْعِهِ الْخُلُوَّ عَنْهُ (مَا لَمْ يَتَدَاعَ الزَّمَانُ بِتَزَلْزُلِ الْقَوَاعِدِ) فَإِنْ تَدَاعَى بِأَنْ أَتَتْ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى كَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ جَازَ الْخُلُوُّ عَنْهُ (وَالْمُخْتَارُ) بَعْدَ جَوَازِهِ أَنَّهُ (لَمْ يَثْبُتُ وُقُوعُهُ) وَقِيلَ يَقَعُ دَلِيلُ عَدَمِ الْوُقُوعِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ بِطُرُقِ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي

ــ

[حاشية العطار]

الْمَذْكُورِ فَيَدْخُلُ فِي غَيْرِهِ مُجْتَهِدُ الْفَتْوَى وَهُوَ كَمَا مَرَّ الْمُجْتَهِدُ الْقَادِرُ عَلَى التَّرْجِيحِ دُونَ التَّفْرِيعِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يُسَمَّى مُجْتَهِدَ الْفَتْوَى وَفِيهِ مَعَ هَذَا تَنَاقُضٌ لَا يَخْفَى.

قَالَ النَّاصِرُ وَأَجَابَ سم بِمَنْعِ التَّنَاقُضِ بِأَنَّ مَا هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْمُطْلَقِ أَوْ الْعَامِّ وَمَا مَرَّ مِنْ قَبِيلِ الْمُقَيَّدِ أَوْ الْخَاصِّ، وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا بَلْ يُقَيَّدُ الْمُطْلَقُ وَيُخَصَّصُ الْعَامُّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ لِلْمُجْتَهِدِ) أَيْ الْمُطْلَقِ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْمُجْتَهِدِ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ، وَثَالِثُهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ اهـ. نَجَّارِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَرَابِعُهَا يَجُوزُ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ إلَخْ لَا لِمَنْطُوقِهِ لَكِنْ لَوْ عَبَّرَ بَدَلَ رَابِعِهَا بِقِيلِ كَانَ أَنْسَبَ إذْ لَيْسَ لِلْمَفْهُومِ مُقَابِلٌ غَيْرُ هَذَا اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ) عَنْ مُجْتَهِدٍ الْمُتَبَادِرُ مِنْ ذِكْرِ الْمُجْتَهِدِ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ لَكِنْ صَرَّحَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ بِإِجْرَاءِ هَذَا الْخِلَافِ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ خُلُوُّ عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ عَنْ الَّذِي يُمْكِنُ تَفْوِيضُ الْفَتْوَى إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا، أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ وَمَنَعَ مِنْهُ الْأَقَلُّونَ كَالْحَنَابِلَةِ اهـ. سم.

وَفِي النَّجَّارِيِّ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ وَظَاهِرُ اسْتِدْلَالِ ابْنِ الْحَاجِبِ كَالْآمِدِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَقْلِيُّ وَفِي حَوَاشِي الْمَوْلَى سَعْدِ الدِّينِ مَا يُشْعِرُ بِتَجْوِيزِ كُلٍّ مِنْهُمَا انْتَهَى، وَفِي الْمَنْخُولِ أَنَّ الشَّرِيعَةَ هَلْ يَجُوزُ فُتُورُهَا وَإِنْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا سِوَى الْكَعْبِيِّ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ وُجُوبِ مُرَاعَاةِ الْأَصْلَحِ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ يُنَازِعُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ شَرْعَنَا كَشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فِي هَذَا الْمَعْنَى وَفَرَّقَ فَارِقُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ خَاتِمَةُ الشَّرَائِعِ وَلَوْ فَتَرَتْ لَبَقِيَتْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا فَاسِدٌ إذْ لَيْسَ فِي الْعَقْلِ مَا يُحِيلُهُ وَاَلَّذِينَ فَتَرَتْ عَلَيْهِمْ الشَّرَائِعُ سَابِقًا قَدْ مَاتُوا وَقَامَتْ قِيَامَتُهُمْ إذْ لَمْ يَلْحَقُهُمْ تَدَارُكُ شَيْءٍ آخَرَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَخْتَلِفُ الرَّجُلَانِ فِي فَرِيضَةٍ فَلَا يَجِدَانِ مِنْ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا» وقَوْله تَعَالَى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] ظَاهِرٌ مُعَرَّضٌ لِلتَّأْوِيلِ، وَيُمْكِنُ تَخَصُّصُهُ بِالْقُرْآنِ دُونَ سَائِرِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ.

وَأَمَّا الْوُقُوعُ فَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْقِيَامَةَ إنْ قَامَتْ عَلَى قُرْبٍ فَلَا تَفْتُرُ الشَّرِيعَةُ وَإِنْ امْتَدَّتْ إلَى خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ مُتَوَفِّرَةٌ عَلَى نَقْلِهَا فَلَا تَضْعُفُ إلَّا عَلَى تَدْرِيجٍ وَلَوْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ فَالْغَالِبُ فُتُورُهُ إذْ الْهِمَمُ عَلَى التَّرَاجُعِ مَصِيرُهَا إذَا فَتَرَتْ ارْتَفَعَ التَّكْلِيفُ فَهِيَ كَالْأَحْكَامِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ إنَّهُمْ يُكَلَّفُونَ الرُّجُوعَ إلَى مَحَاسِنِ الْعُقُولِ وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِمَذْهَبِنَا؛ لِأَنَّا لَا نَقُولُ بِتَحْسِينِ الْعَقْلِ اهـ.

وَقَوْلُهُ وَإِنْ امْتَدَّتْ إلَى خَمْسِمِائَةٍ مَثَلًا أَيْ مِنْ عَصْرِهِ وَقَدْ مَضَتْ الْخَمْسُمِائَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَصْرِنَا وَالشَّرِيعَةُ بِحَمْدِ اللَّهِ مَحْفُوظَةٌ وَلَكِنَّهُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْأَلْفِ اشْتَدَّ التَّنَاقُضُ وَفِي عَصْرِنَا وَهُوَ الْقَرْنُ الثَّالِثَ عَشَرَ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ بِتَرَاكُمِ عَظَائِمِ الْخُطُوبِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَبْقَى فِيهِ مُجْتَهِدٌ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَعَمُّ مِنْ أَنْ لَا يُوجَدَ فِيهِ أَصْلًا أَوْ يُوجَدَ ثُمَّ يُفْقَدَ لَا الْأَوَّلُ فَقَطْ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ لَفْظِ الْخُلُوِّ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَدَاعَ الزَّمَانُ) الْمُرَادُ بِتَدَاعِيهِ دُعَاءُ بَعْضِهِ بَعْضًا إلَى الزَّوَالِ كِنَايَةً عَنْ إشْرَافِهِ عَلَى الزَّوَالِ وَتَغَيُّرِهِ عَمَّا كَانَ، وَالْمُرَادُ بِالْقَوَاعِدِ الْأُمُورُ الْمَعْهُودَةُ فِيهِ فَتَزَلْزُلُهَا عَدَمُ بَقَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ قَوَاعِدُ الدِّينِ وَأَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ وَتَزَلْزُلُهَا تَعَطُّلُهَا.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ وُقُوعُهُ) أَيْ لَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَقِيلَ يَقَعُ. (قَوْلُهُ: دَلِيلُ عَدَمِ الْوُقُوعِ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَثْبُتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>