يَتِمُّ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِنَا ثُمَّ هَذَا عِلْمًا فَإِنَّ تَمَامَهُ مَعْلُومٌ مَعْرُوفٌ اهـ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَمَامِهِ جَمْعًا تَمَامُهُ عِلْمًا فَفِيهِ فَائِدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِ (الْمُسْمِعِ كَلَامُهُ آذَانًا صُمًّا الْآتِي مِنْ أَحَاسِنِ الْمَحَاسِنِ بِمَا يَنْظُرُهُ الْأَعْمَى) أَيْ أَنَّهُ لِعُذُوبَةِ لَفْظِهِ الْقَلِيلِ وَحُسْنِ مَعْنَاهُ الْكَثِيرِ يَشْتَهِرُ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى يَتَحَقَّقَهُ الْأَصَمُّ فَكَأَنَّهُ يَسْمَعُهُ وَالْأَعْمَى فَكَأَنَّهُ يَنْظُرُهُ وَهَذَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ:
أَنَا الَّذِي نَظَرَ الْأَعْمَى إلَى أَدَبِي ... وَأَسْمَعَتْ كَلِمَاتِي مَنْ بِهِ صَمَمُ
وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَتَهُ لَهُ فِي ذِكْرِ السَّمْعِ قَبْلَ الْبَصَرِ لِلتَّأَسِّي بِالْقُرْآنِ وَفِي ذِكْرِهِ الْأَسْمَاعَ لِلْآذَانِ لَا لِصَاحِبِهَا لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَالْأَسْمَاعُ لَهَا أَسْمَاعٌ لِصَاحِبِهَا (مَجْمُوعًا جَمُوعًا) أَيْ كَثِيرَ الْجَمْعِ وَهُمَا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْآتِي وَكَذَا قَوْلُهُ (وَمَوْضُوعًا) ذَا فَضْلٍ (لَا مَقْطُوعًا فَضْلُهُ وَلَا مَمْنُوعًا) عَمَّنْ يَقْصِدُهُ لِسُهُولَتِهِ (وَمَرْفُوعًا عَنْ هِمَمِ الزَّمَانِ مَدْفُوعًا) عَنْهَا فَلَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ بِمِثْلِهِ (فَعَلَيْكَ) أَيُّهَا الطَّالِبُ لِمَا ضَمِنَهُ (بِحِفْظِ عِبَارَتِهِ لَا سِيَّمَا مَا خَالَفَ فِيهَا غَيْرَهُ) كَالْمُخْتَصَرِ وَالْمِنْهَاجِ (وَإِيَّاكَ أَنْ تُبَادِرَ بِإِنْكَارِ شَيْءٍ) مِنْهُ (قَبْلَ التَّأَمُّلِ وَالْفِكْرَةِ) فِيهِ (أَوْ أَنْ تَظُنَّ إمْكَانَ اخْتِصَارِهِ، فِي كُلِّ ذَرَّةٍ) مِنْهُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ
ــ
[حاشية العطار]
وَصْفُهُ بِالتَّمَامِ فَهُوَ كَقَوْلِ بَعْضِ الْمُؤَلِّفِينَ هَذَا آخِرُ مَا قَصَدْنَا جَمْعَهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لِلْمُصَنِّفِ دُونَ غَيْرِهِ) وَأَيْضًا الْجَوَامِعُ جُزْءُ عِلْمٍ فَلَا يُعْمَلُ وَلِأَنَّ جِهَاتِ التَّمَامِ كَثِيرَةٌ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ تَمَامَهُ مِنْ حَيْثُ التَّسْوِيدُ لَا التَّحْرِيرُ وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ أَيْ أَنَّهُ أَتَى عَلَى صِفَةِ التَّمَامِ وَالْكَمَالِ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَحَقَّقَهُ الْأَصَمُّ) بِأَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ مَثَلًا أَوْ أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ (قَوْلُهُ: مُنْتَزَعٌ) أَيْ مَأْخُوذٌ عَلَى وَجْهِ الْحَلِّ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْبَدِيعِ بِأَنْ يَأْتِيَ الشَّخْصُ لِنَظْمٍ وَيُحِلُّهُ نَثْرًا وَضِدُّهُ الْعَقْدُ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ لِنَثْرٍ فَيَنْظِمُهُ (قَوْلُهُ: وَنَبَّهَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ خَالَفَ أَبَا الطَّيِّبِ فِي أَمْرَيْنِ لِنُكْتَةٍ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ التَّأَسِّي بِالْقُرْآنِ فِي الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَدَّمَ فِيهِ السَّمْعَ عَلَى الْبَصَرِ قَالَ تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] وَالْعُدُولُ إلَى الْمَجَازِ الْأَبْلَغِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فِي الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَبْلَغُ) فَإِنَّ إيقَاعَهُ عَلَى الْأَصْحَابِ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ الْمَجَازُ وَهُوَ الْإِفْهَامُ نَعَمْ فَاتَ الْمُصَنِّفَ نِكَاتٌ فِي كَلَامِ أَبِي الطَّيِّبِ وَهُوَ أَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ عَبَّرَ بِالْمَاضِي وَالْمُصَنِّفُ عَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ فِي نَظَرَ وَيَنْظُرُ وَعَبَّرَ أَبُو الطَّيِّبِ بِالْكَلِمَاتِ وَالْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ (قَوْلُهُ: جَمُوعًا) بِفَتْحِ الْجِيمِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ أَيْ كَثِيرَ الْجَمْعِ.
(قَوْلُهُ: وَهُمَا حَالٌ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَالٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَالَانِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْآتِي وَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حَالًا مِنْهُ وَالْآخَرُ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ تِلْكَ الْحَالِ فَيَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأَحْوَالِ الْمُتَدَاخِلَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ حَالًا وَاحِدَةً بِمَعْنَى الْكَامِلِ فِي الْجَمْعِ وَالِاسْتِيعَابِ كَمَا فِي حُلْوٍ حَامِضٍ (قَوْلُهُ: وَمَوْضُوعًا) أَيْ مَجْعُولًا (قَوْلُهُ: لِلْأَفْضَالِ عَلَى الْقَاصِدِينَ) أَيْ مُؤَلَّفًا عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ يُفِيدُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَلَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ أَيْ زَمَانِ الْمُصَنِّفِ) تَقْيِيدُهُ بِزَمَانِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ زَمَانِهِ وَلَا مَانِعَ فَإِنَّ فَضْلَ اللَّهِ وَاسِعٌ وَمَوَاهِبَ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ لَا تَنْقَطِعُ عَنْ الْعِبَادِ فَيَضَانُهَا {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: ١٠٥] وَلَا يُنَاقِضُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ الزَّمَانَ يَتَنَاقَضُ فِي الْفَضَائِلِ كُلَّمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ تَنَاقُضَهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَجْمُوعِ الطَّبَقَةِ فَلَا يُنَافِي تَفَوُّقَ بَعْضِ أَفْرَادٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا كَمَا اعْتَرَفَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي خُطْبَةِ تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ فِي خِلَالِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ وَالِدَهُ أَفْضَلُ مِنْ أَفْرَادٍ تَقَدَّمَ عَصْرُهُمْ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ إتْيَانِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ زَمَانِ الْمُصَنِّفِ بِمِثْلِهِ قَدْ يَمْنَعُ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِقْرَاءِ أَحْوَالِ الْعُلَمَاءِ الْمَوْجُودِينَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ وَهُوَ مُتَعَسِّرٌ بَلْ مُتَعَذِّرٌ وَأَمْثَالُ هَذَا الْكَلَامِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَقَدْ أَلَّفَ الْعَلَّامَةُ الْفَنَارِيُّ وَعَصْرُهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ كِتَابَ فُصُولُ الْبَدَائِعِ فِي الْأُصُولِ وَجَمَعَ فِيهِ مَا تَفَرَّقَ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ مَعَ مَزِيدِ التَّحْرِيرِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِدِ مِمَّا خَلَا عَنْهَا هَذَا الْكِتَابُ وَأَلَّفَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْهِنْدِ كِتَابًا فِي هَذَا الْعِلْمِ وَسَمَّاهُ مُسَلَّمَ الثُّبُوتِ وَتَارِيخُ تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ هُوَ اسْمُهُ وَهُوَ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَتِسْعٌ فَهَذَا زَمَانٌ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَالْفَتَاوَى وَمُسَلَّمِ الثُّبُوتِ هَذَا قَدْ اعْتَنَى بِهِ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْهِنْدِ وَمَا وَرَاءِ النَّهْرِ وَوَضَعُوا عَلَيْهِ شُرُوحًا وَحَوَاشِيَ وَاشْتَغَلُوا بِهِ كَاشْتِغَالِ أَهْلِ دِيَارِنَا بِهَذَا الْكِتَابِ إلَى الْآنَ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute