للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية العطار]

بِالْعُقُودِ تَرَدَّدَ النَّاسُ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَمِلُوا عِنْدَ قَبْرِهِ كُلَّ سَنَةٍ مِيعَادًا يَقْرَءُونَ فِيهِ الْقُرْآنَ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ فَيُحْشَرُ النَّاسُ مِنْ أَكْثَرِ الْجِهَاتِ لِشُهُودِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَيَخْلِطُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَيَأْتُونَ أَنْوَاعًا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا اهـ.

أَقُولُ قَدْ فَتَرَ هَذَا الْآنَ بِالنِّسْبَةِ لِمَوْلِدِ الشَّيْخِ الَّذِي يُصْنَعُ لَهُ لِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ وَمِمَّا يُنْسَبُ لَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

مُرَادِي مِنْكَ نِسْيَانُ الْمُرَادِ ... إذَا رُمْتَ السُّلُوكَ إلَى الرَّشَادِ

وَأَنْ تَدَعَ الْوُجُودَ فَلَا تَرَاهُ ... وَتُصْبِحَ مَالِكًا حَبْلَ اعْتِمَادِي

إلَى كَمْ غَفْلَةٌ عَنِّي وَإِنِّي ... عَلَى حِفْظِ الرِّعَايَةِ وَالْوِدَادِ

وَوُدِّي فِيكَ لَوْ تَدْرِي قَدِيمٌ ... وَيَوْمُ لَسْتُ يَشْهَدُ بِانْفِرَادِي

وَهَلْ رَبٌّ سِوَايَ فَتَرْتَجِيهِ ... غَدًا يُنْجِيكَ مِنْ كُرَبٍ شِدَادِ

فَوَصْفُ الْعَجْزِ عَمَّ الْكَوْنَ طُرًّا ... فَمُفْتَقِرٌ لِمُفْتَقِرٍ يُنَادِي

وَبِي قَدْ قَامَتْ الْأَكْوَانُ طُرًّا ... وَأَظْهَرْت الْمَظَاهِرَ مِنْ مُرَادِي

أَفِي دَارِي وَفِي مُلْكِي وَمِلْكِي ... تُوَجِّهُ لِلسِّوَى وَجْهَ اعْتِمَادِ

وَهَا خِلَعِي عَلَيْكَ فَلَا تُزِلْهَا ... وَصُنْ وَجْهَ الرَّجَاءِ عَنْ الْعِبَادِ

وَوَصْفُك فَالْزَمَنْهُ وَكُنْ ذَلِيلًا ... تَرَى مِنِّي الْمُنَى طَوْعَ الْقِيَادِ

وَكُنْ عَبْدًا لَنَا وَالْعَبْدُ يَرْضَى ... بِمَا تَقْضِي الْمَوَالِي مِنْ مُرَادِ

وَلِلشَّيْخِ تَآلِيفُ مُفِيدَةٌ مِنْهَا مَتْنُ الْحِكَمِ الَّذِي قَالَ فِيهِ هَذَا الْقَوْلَ وَلَمْ يَنْقُلْهُ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِهِ بَلْ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُ الشَّيْخِ إرَادَتُكَ التَّجْرِيدَ مَعَ إقَامَةِ اللَّهِ إيَّاكَ فِي الْأَسْبَابِ مِنْ الشَّهْوَةِ الْخَفِيَّةِ وَإِرَادَتُكَ الْأَسْبَابَ مَعَ إقَامَةِ اللَّهِ إيَّاكَ فِي التَّجْرِيدِ انْحِطَاطٌ عَنْ الْهِمَّةِ الْعَلِيَّةِ اهـ.

فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعَ دَاعِيَةِ الْأَسْبَابِ أَيْ التَّلَبُّسِ بِهَا لِأَنَّ الْمُتَلَبِّسَ بِالشَّيْءِ لَهُ بَاعِثٌ يَبْعَثُهُ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الدَّاعِيَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ مَعَ دَاعِيَةِ التَّجَرُّدِ وَفِي الْفِقْرَةِ الْأُولَى إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِاكْتِسَابَ فِي حَقِّ هَذَا الشَّخْصِ أَفْضَلُ كَمَا أَنَّ فِي الثَّانِيَةِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ التَّجَرُّدَ فِي حَقِّ هَذَا الشَّخْصِ أَكْمَلُ وَمَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ بِهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّ الْأَسْبَابَ إذَا ثَبَتَتْ الْإِقَامَةُ فِيهَا بِحُصُولِ ثَمَرَاتِهَا كَانَتْ عِبَادَةً وَسِتْرًا لِلْعَبْدِ لَكِنَّهَا شَاقَّةٌ عَلَى الْمُبْتَدِئِينَ لِمَا فِيهَا مِنْ مَزْجِ الْحُقُوقِ بِالْحُظُوظِ فَلَا تَنْضَبِطُ النَّفْسُ عِنْدَهَا وَلَا يَكَادُ يَتَخَلَّصُ الْمَقْصِدُ فَإِرَادَةُ الْعَبْدِ الِانْتِقَالَ مِنْهَا إلَى التَّجْرِيدِ شَهْوَةُ نَفْسٍ إمَّا لِأَنَّهُ يَطْلُبُ مَا يَسْهُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتْرُكُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهَا وَذَلِكَ شَفَقَةٌ مِنْهُ عَلَيْهَا وَإِمَّا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الِاخْتِصَاصِ هُوَ التَّجْرِيدُ فَهُوَ يُرِيدُ التَّمْيِيزَ وَالِاتِّصَافَ بِصِفَاتِ الْخَوَاصِّ وَإِمَّا لِأَنَّهُ يَقُولُ بِلِسَانِ حَالِهِ أَنَا أَهْلٌ لِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْ هَذَا فَيَحْتَقِرُ نِعْمَةَ اللَّهِ وَيَتَطَلَّعُ لِمَا فَوْقَهَا وَالتَّجْرِيدُ إذَا ثَبَتَتْ الْإِقَامَةُ فِيهِ بِحُصُولِ ثَمَرَاتِهِ كَانَ عِبَادَةً وَاَللَّهُ يَفْعَلُ بِعَبْدِهِ مَا يَشَاءُ مِنْ إخْفَاءٍ وَإِظْهَارٍ وَالسِّتْرُ لَا يَنْحَصِرُ فِي تَعَاطِي الْأَسْبَابِ فَإِنَّ أَوْصَافَ الْبَشَرِيَّةِ السَّاتِرَةَ لِلْخُصُوصِيَّةِ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ فَإِرَادَةُ الِانْتِقَالِ مِنْهُ إلَى الْأَسْبَابِ رِضًا بِالنُّزُولِ عَنْ طَرِيقِ أَهْلِ الِاخْتِصَاصِ إلَى طَرِيقِ أَهْلِ الِانْتِقَاصِ بِحَسَبِ الْغَالِبِ وَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عِبَادَةً وَطَرِيقًا صَالِحًا لِلتَّوَصُّلِ فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَرْضَى بِمَا اخْتَارَهُ لَهُ الْحَقُّ مِنْهُمَا مُسْتَعِينًا بِهِ سَائِلًا مِنْهُ التَّأْيِيدَ فَإِنْ رَأَى خِلَافَ ذَلِكَ خَرَجَ عَنْ مُقْتَضَى الْعُبُودِيَّةِ وَلِذَلِكَ حَكَّمَ الْمُؤَلِّفُ إرَادَةَ الْعَبْدِ الْمُخَالِفَةَ لِمُخْتَارِ اللَّهِ تَعَالَى بِالذَّمِّ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِمَعَالِي الْأُمُورِ أَوْ بِأَدَانِيهَا لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِمَعَالِيهَا فِي الْمَوْضُوعِ الْمَذْكُورِ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الشَّهْوَةِ الْخَفِيَّةِ وَالْمُتَعَلِّقَةِ بِأَدَانِيهَا فِيهِ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الشَّهْوَةِ الْجَلِيَّةِ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّلَبُّسَ بِالسَّبَبِ مَعَ التَّفْوِيضِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مَحْمُودٌ وَهُوَ مَقَامُ أَهْلِ الْكَمَالِ وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي أَهْمَلَ النَّاقَةَ وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>