كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ خَالِقٌ لِفِعْلِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي الزَّمَنِ مَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي الْمَمْنُوعِ مِنْ الْفِعْلِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ وَعَلَى الثَّانِي لَا بَلْ الْفَرْقُ أَنَّ الزَّمَنَ لَيْسَ بِقَادِرٍ وَالْمَمْنُوعُ قَادِرٌ إذْ مِنْ شَأْنِهِ الْقُدْرَةُ بِطَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ.
(وَرَجَّحَ قَوْمٌ التَّوَكُّلَ) مِنْ الْعَبْدِ عَلَى الِاكْتِسَابِ (وَآخَرُونَ الِاكْتِسَابَ) عَلَى التَّوَكُّلِ أَيْ الْكَفَّ عَنْ الِاكْتِسَابِ وَالْإِعْرَاضَ عَنْ الْأَسْبَابِ اعْتِمَادًا لِلْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (وَثَالِثٌ الِاخْتِلَافَ) بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَمَنْ يَكُونُ فِي تَوَكُّلِهِ لَا يَتَسَخَّطُ عِنْدَ ضِيقِ الرِّزْقِ عَلَيْهِ وَلَا تَسْتَشْرِفُ نَفْسُهُ أَيْ تَتَطَلَّعُ لِسُؤَالِ أَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ فَالتَّوَكُّلُ فِي حَقِّهِ
ــ
[حاشية العطار]
مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ لَا عَنْ السُّكُوتِ وَتَرْكِ الْمُعَارَضَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ) أَيْ تَقَابُلَ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ خَالِقٌ) يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمَّا نَسَبُوا لِلْعَبْدِ خَلْقَ أَفْعَالِهِ فَسَّرُوا الْعَجْزَ بِأَنَّهُ عَدَمُ الْقُدْرَةِ إلَخْ فَجَعَلُوا التَّقَابُلَ بَيْنَهُمَا تَقَابُلَ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ وَفِيهِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ خَالِقٌ إلَخْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ التَّقَابُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُدْرَةِ تَقَابُلُ التَّضَادِّ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ صِفَةٌ عَدَمِيَّةٌ أَبُو هَاشِمٍ مِنْهُمْ وَفِي الشَّرْحِ الْجَدِيدِ عَلَى التَّجْرِيدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْعَجْزَ عَرَضٌ مُضَادٌّ لِلْقُدْرَةِ أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَذَهَبَ الْأَشَاعِرَةُ وَجُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى الْأَوَّلِ وَذَهَبَ أَبُو هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى الثَّانِي اهـ.
فَاتَّجَهَ تَنْظِيرُ النَّاصِرِ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ لِلْمُعْتَزِلَةِ يَعْنِي بِكَوْنِ الْعَبْدِ خَالِقًا لِفِعْلِهِ وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعَجْزَ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ صَرَّحَ بِهِ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي الزَّمِنِ مَعْنًى إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ: الْمَمْنُوعُ إنَّمَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْفِعْلُ عَلَى تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِ الْمَانِعِ وَالزَّمِنُ أَيْضًا كَذَلِكَ فَالْحُكْمُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَادِرٌ دُونَ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ قُلْنَا الْمَمْنُوعُ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْفِعْلُ وَهُوَ بِحَالِهِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَإِنَّمَا التَّغَيُّرُ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ بِخِلَافِ الزَّمِنِ فَإِنَّهُ يَتَغَيَّرُ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ كَذَا فِي الشَّرْحِ الْجَدِيدِ لِلتَّجْرِيدِ
(قَوْلُهُ: وَالْإِعْرَاضِ) بِالْجَرِّ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى الْكَفِّ فَسَّرَ التَّوَكُّلَ بِذَلِكَ تَبَعًا لِكَثِيرٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ لَا بِمُجَرَّدِ اعْتِمَادِ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِمَّا يَأْتِي عَنْ الْمُحَقِّقِينَ لِيَتَأَتَّى مَعَهُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ حَالَتَيْ الِاكْتِسَابِ وَتَرْكِهِ لِأَنَّ تَفْسِيرَهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَوْ بِمَا يَأْتِي عَنْ الْمُحَقِّقِينَ لَا يُنَافِي تَعَاطِيَ الْأَسْبَابِ وَقَرِيبٌ مِمَّا فُسِّرَ بِهِ التَّوَكُّلُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ التَّوَكُّلُ تَرْكُ السَّعْيِ فِيمَا لَا تَسَعُهُ قُدْرَةُ الْبَشَرِ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ قَطْعُ النَّظَرِ عَنْ الْأَسْبَابِ مَعَ تَهَيُّئِهَا وَلِهَذَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَالَ لَهُ أُرْسِلُ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ: اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ. زَكَرِيَّا.
وَفِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ أَنَّ التَّوَكُّلَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ وَالْحَرَكَةُ بِالظَّاهِرِ لَا تُنَافِي تَوَكُّلَ الْقَلْبِ بَعْدَمَا يَتَحَقَّقُ الْعَبْدُ أَنَّ التَّقْدِيرَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ تَعَسَّرَ شَيْءٌ فَبِتَقْدِيرِهِ وَإِنْ أَنْفَقَ شَيْءٌ فَبِتَيْسِيرِهِ وَعَلَامَةُ التَّوَكُّلِ ثَلَاثٌ لَا يَسْأَلُ وَلَا يَرُدُّ وَلَا يَحْبِسُ (قَوْلُهُ: فَالتَّوَكُّلُ فِي حَقِّهِ أَرْجَحُ) وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعَاطِي بَعْضِ الْأَسْبَابِ الضَّرُورِيَّةِ لَا أَنْ يَتَجَرَّدَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَفِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ كَانَ إبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ مُجَرَّدًا فِي التَّوَكُّلِ مُدَقِّقًا فِيهِ وَكَانَ لَا يُفَارِقُهُ إبْرَةٌ وَخُيُوطٌ وَرَكْوَةٌ وَمِقْرَاضٌ فَقِيلَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ لِمَ تَحْمِلُ هَذَا وَأَنْتَ تَمْنَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَقَالَ مِثْلُ هَذَا لَا يُنْقِصُ التَّوَكُّلَ لِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا فَرَائِضَ وَالْفَقِيرُ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَرُبَّمَا يَنْخَرِقُ ثَوْبُهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْرَةٌ وَخُيُوطٌ تَبْدُو عَوْرَتُهُ فَتَفْسُدُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رَكْوَةٌ تَفْسُدُ عَلَيْهِ طَهَارَتُهُ وَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute