فِي وُجُودِهَا قَبْلَ الْفِعْلِ وَصَلَاحِيَّتُهَا لِلتَّعَلُّقِ بِالضِّدَّيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ (وَ) الصَّحِيحُ أَيْضًا (أَنَّ الْعَجْزَ) مِنْ الْعَبْدِ (صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ تُقَابِلُ الْقُدْرَةَ تَقَابُلَ الضِّدَّيْنِ لَا) تَقَابَلَ (الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ) وَقِيلَ تَقَابُلَ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ فَيَكُونُ هُوَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْقُدْرَةُ
ــ
[حاشية العطار]
كَوْنَ الْقُدْرَةِ مَعَ الْفِعْلِ لَازِمٌ لِلْقَوْلِ بِكَوْنِ الْعَبْدِ مُكْتَسِبًا لَا خَالِقًا وَفِيهِ وَقْفَةٌ إذْ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِكَوْنِ الْعَبْدِ مُكْتَسِبًا لَا خَالِقًا قَائِلٌ بِهَا قَبْلَ الْفِعْلِ لِدَعْوَاهُ أَنَّهَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ اهـ. زَكَرِيَّا
أَقُولُ مَنْ قَالَ لِعَدَمِ بَقَاءِ الْعَرَضِ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْ الْقَوْلِ بِالْمُقَارَنَةِ وَمَنْ جَوَّزَهُ جَوَّزَ التَّقَدُّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
(قَوْلُهُ: عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ) يُقَالُ عَلَيْهِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَا تُوجَدُ إلَّا مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ فَلَا بَدَلِيَّةَ بَلْ لِكُلِّ فِعْلٍ قُدْرَةٌ مَعَهُ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ الْفِعْلَ فَلَمْ تَظْهَرْ مُقَابَلَةُ هَذَا الْقَوْلِ لِمَا قَبْلَهُ وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِ الْقُدْرَةِ مَعَ الْفِعْلِ أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْ فِعْلٍ يَصِحُّ صُدُورُهُ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَكُونُ قَادِرًا عَلَيْهِ حَالَ الْمَنْعِ كَالزَّمِنِ الَّذِي هُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْفِعْلِ وَأَنَّ الْقُدْرَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَقْدُورَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا ضِدَّيْنِ أَوْ مِثْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَإِنَّ مَا نَجِدُهُ فِي نُفُوسِنَا عِنْدَ صُدُورِ أَحَدِ الْمَقْدُورَيْنِ غَيْرُ مَا نَجِدُهُ عِنْدَ صُدُورِ الْآخَرِ.
وَاتَّفَقَتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ الْوَاحِدَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَمَاثِلَاتِ لَكِنْ عَلَى مُرُورِ الْأَوْقَاتِ يَمْتَنِعُ وُقُوعُ مِثْلَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ بِقُدْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعَلُّقِهَا بِالضِّدَّيْنِ فَجَوَّزَ أَكْثَرُهُمْ تَعَلُّقَهَا بِهِمَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَادِرُ عَلَى الْمَشْيِ قَادِرًا عَلَى ضِدِّهِ لَكَانَ مُضْطَرًّا إلَى ذَلِكَ الْمَقْدُورِ حَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَرْكِهِ هُوَ وَتَرَدَّدَ أَبُو هَاشِمٍ فَزَعَمَ تَارَةً أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقُدْرَةِ الْقَائِمَةِ بِالْقَلْبِ وَالْقُدْرَةِ الْقَائِمَةِ بِالْجَوَارِحِ تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِ مَحَالِّهَا دُونَ الْأُخْرَى بِمَعْنَى أَنَّ الْقَائِمَةَ بِالْقَلْبِ تُعَلَّقُ بِالْإِرَادَاتِ وَالِاعْتِقَادَاتِ مَثَلًا دُونَ الْحَرَكَاتِ وَالِاعْتِمَادَاتِ وَالْقَائِمَةَ بِالْجَوَارِحِ عَلَى الْعَكْسِ وَتَارَةً بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ إلَّا فِي أَفْعَالِ مَحَالِّهَا مَثَلًا الْقَائِمَةُ بِالْقَلْبِ تَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَالْجَوَارِحِ لَكِنْ يَمْتَنِعُ اتِّحَادُ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ بِهَا لِفَقْدِ الشَّرَائِطِ وَالْقَائِمَةُ بِالْجَوَارِحِ تَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْقَلْبِ.
وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ كَلَامًا حَاصِلُهُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْقُدْرَةِ الْقُوَّةُ الَّتِي هِيَ مَبْدَأُ الْأَفْعَالِ الْمُخْتَلِفَةِ سَوَاءٌ كَمُلَتْ جِهَاتُ تَأْثِيرِهَا أَوْ لَمْ تَكْمُلْ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا قَبْلَ الْفِعْلِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ وَفِي جَوَازِ تَعَلُّقِهَا بِالضِّدَّيْنِ وَإِنْ أُرِيدَ الْقُوَّةُ الَّتِي كَمُلَتْ جِهَاتُ تَأْثِيرِهَا فَلَا خَفَاءَ فِي كَوْنِهَا مَعَ الْفِعْلِ بِالزَّمَانِ لَا قَبْلَهُ وَفِي امْتِنَاعِ تَعَلُّقِهَا بِالضِّدَّيْنِ بَلْ الْمَقْدُورَيْنِ مُطْلَقًا ضَرُورَةَ أَنَّ الشَّرَائِطَ الْمُخَصَّصَةَ لِهَذَا غَيْرُ الشَّرَائِطِ الْمُخَصَّصَةِ لِذَاكَ اهـ. بِاخْتِصَارٍ.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْعَجْزَ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ) فِي تَفْرِيعِ كَوْنِ الْعَجْزِ صِفَةً وُجُودِيَّةً عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ مُكْتَسِبًا لَا خَالِقًا نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَإِنْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى بِنَائِهِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَمَا الْأَمْرُ كَذَلِكَ إلَخْ اهـ نَاصِرٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْعَجْزَ عَرَضٌ ثَابِتٌ مُضَادٌّ لِلْقُدْرَةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ فِي الزَّمِنِ مَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي الْمَمْنُوعِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ وَعِنْدَ أَبِي هَاشِمٍ هُوَ عَدَمُ مَلَكَةٍ لِلْقُدْرَةِ وَلَيْسَ فِي الزَّمِنِ صِفَةٌ مُتَحَقِّقَةٌ تَضَادُّ الْقُدْرَةَ بَلْ الْفَرْقُ أَنَّ الزَّمِنَ لَيْسَ بِقَادِرٍ وَالْمَمْنُوعُ قَادِرٌ بِالْفِعْلِ أَوْ مِنْ شَأْنِهِ الْقُدْرَةُ بِطَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِ الْعَجْزِ ضِدَّ الْقُدْرَةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّيْخُ الْأَشْعَرِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُودِ كَالْقُدْرَةِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الصِّفَةِ الْمَوْجُودَةِ بِالْمَعْدُومِ خَيَالٌ مَحْضٌ فَعَجْزُ الزَّمَنِ يَكُونُ عَنْ الْقُعُودِ الْمَوْجُودِ لَا عَنْ الْقِيَامِ الْمَعْدُومِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ هَذَا مُكَابَرَةٌ وَأَنَّ الْعَجْزَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ وُجُودِيًّا وَإِنْ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَلَا امْتِنَاعَ فِي تَعَلُّقِهِ بِالْمَعْدُومِ كَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَلِهَذَا أَطْبَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ عَجْزَ الْمُتَحَدِّينَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute