للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَحَقِّ الْقَذْفِ فَتَدَارُكُهُ بِتَمْكِينِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الْمَقْذُوفِ أَوْ وَارِثَهُ لِيَسْتَوْفِيَهُ أَوْ يُبْرِئَ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَدَارُكُ الْحَقِّ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقُّهُ مَوْجُودًا سَقَطَ هَذَا الشَّرْطُ كَمَا يَسْقُطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ لَا يَنْشَأُ عَنْهَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ وَكَذَا يَسْقُطُ شَرْطُ الْإِقْلَاعِ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا كَشُرْبِ الْخَمْرِ فَالْمُرَادُ بِتَحَقُّقِ التَّوْبَةِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ فِيمَا تَتَحَقَّقُ بِهِ عَنْهَا إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي كُلِّ تَوْبَةٍ، وَفِي نُسْخَةٍ وَالِاسْتِغْفَارُ عَقِبَ قَوْلِهِ بِالْإِقْلَاعِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا ذَكَرَ (وَتَصِحُّ) التَّوْبَةُ (وَلَوْ بَعْدَ نَقْضِهَا عَنْ ذَنْبٍ وَلَوْ) كَانَ (صَغِيرًا مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى) ذَنْبٍ (آخَرَ وَلَوْ) كَانَ (كَبِيرًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ) وَقِيلَ لَا تَصِحُّ بَعْدَ نَقْضِهَا بِأَنْ عَادَ إلَى الْمَتُوبِ عَنْهُ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ عَنْ صَغِيرٍ لِتَكْفِيرِهِ بِاجْتِنَابِ الْكَبِيرِ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ عَنْ ذَنْبٍ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى كَبِيرٍ.

(وَإِنْ شَكَكْت) فِي الْخَاطِرِ (أَمَأْمُورٌ) بِهِ (أَمْ مَنْهِيٌّ) عَنْهُ (فَأَمْسِكْ) عَنْهُ حَذَرًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمَنْهِيِّ (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ الْإِمْسَاكُ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (قَالَ) الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ (الْجُوَيْنِيُّ فِي الْمُتَوَضِّئِ يَشُكُّ أَيَغْسِلُ) غَسْلَةً (ثَالِثَةً) فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِهَا (أَمْ رَابِعَةً) فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهَا (لَا يَغْسِلُ) خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَغَيْرُهُ قَالَ يَغْسِلُ لِأَنَّ التَّثْلِيثَ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ قَبْلَ هَذِهِ الْغَسْلَةِ فَيَأْتِي بِهَا (وَكُلٌّ وَاقِعٌ) فِي الْوُجُودِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ الْخَاطِرُ وَفِعْلُهُ وَتَرْكُهُ (بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتُهُ هُوَ خَالِقُ كَسْبِ الْعَبْدِ) أَيْ فِعْلُهُ الَّذِي هُوَ كَاسِبُهُ لَا خَالِقُهُ كَمَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ

ــ

[حاشية العطار]

الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا وَخَالَفَ فِيهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّامِلِ وَالْآمِدِيُّ فَقَالُوا لَيْسَ مُعْتَبَرًا فِيهَا بَلْ هُوَ وَاجِبٌ بِرَأْسِهِ لَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَأَتَى بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ فِيمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ) مَا وَاقِعَةٌ عَلَى أَرْكَانِ التَّوْبَةِ أَيْ وَعَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْ الْكُلِّ صَادِقٌ بِتَوَقُّفِهَا عَلَى الْكُلِّ وَعَلَى الْبَعْضِ (قَوْلُهُ: عَنْ ذَنْبٍ) فِي التَّنْكِيرِ إشَارَةٌ إلَى صِحَّةِ التَّوْبَةِ عَنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ دُونَ بَعْضٍ فَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مَعَ الْإِصْرَارِ لِلتَّوْضِيحِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا تَصِحُّ عَنْ صَغِيرٍ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَعْبِيرُهُ بِلَا يَصِحُّ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي التَّوْبَةِ عَنْ الصَّغِيرِ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا وَهُوَ صَحِيحٌ تَغْلِيبًا لَكِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ عِنْدَ غَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِهَا وَعَدَمِهِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِتَعْلِيلِهِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ لِتَكْفِيرِهِ بِاجْتِنَابِ الْكَبِيرِ. وَتَوَقَّفَ السُّبْكِيُّ فِي وُجُوبِهَا مِنْ الصَّغِيرَةِ عَيْنًا لِتَكْفِيرِهَا بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاجِبَ لَهَا التَّوْبَةُ وَاجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَخَالَفَهُ ابْنُهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ: الَّذِي أَرَاهُ وُجُوبُ التَّوْبَةِ لَهَا عَيْنًا عَلَى الْفَوْرِ نَعَمْ إنْ فُرِضَ عَدَمُ التَّوْبَةِ عَنْهَا حَتَّى اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ كُفِّرَتْ وَمَا أَرَاهُ يَرْجِعُ إلَى مَا رَجَّحَهُ الْجُمْهُورُ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: لِتَكْفِيرِهِ) فَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَلَى هَذَا عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ.

(قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ قَالَ يَغْسِلُ) هُوَ الْأَصَحُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّكِّ مِنْ الْإِمْسَاكِ مَحَلُّهُ فِيمَا لَمْ يُغَيِّ الشَّارِعُ الْحُكْمَ فِيهِ بِغَايَةٍ كَأَنْ شَكَّ فِي مَائِعٍ أَهُوَ بَوْلٌ أَوْ مَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا غَيَّاهُ بِغَايَةٍ كَشَكَّ وَهُوَ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا؟ أَوْ وَهُوَ يَغْسِلُ مَا تَنَجَّسَ بِنَجَاسَةٍ مُغَلَّظَةٍ أَغَسَلَ سِتًّا أَوْ سَبْعًا؟ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: وَكُلُّ وَاقِعٍ) أَيْ وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَوْلُهُ وَمِنْ جُمْلَتِهِ إلَخْ إشَارَةٌ لِمُنَاسَبَةِ مَا قَبْلَهُ وَإِلَّا فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَرَجَّحَ قَوْمٌ إلَخْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْكَلَامِيَّةِ بَلْ مَسْأَلَةُ الْكَسْبِ مِنْ غَوَامِضِهَا (قَوْلُهُ: بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ مَاذَا؟ فَقَالَ الْجَبْرِيَّةُ قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ بِلَا قُدْرَةٍ مِنْ الْعَبْدِ أَصْلًا وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ قُدْرَةُ الْعَبْدِ فَقَطْ بِلَا إيجَابٍ وَقَالَ الْفَلَاسِفَةُ قُدْرَةُ الْعَبْدِ مُؤَثِّرَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْإِيجَابِ فَيَمْتَنِعُ التَّخَلُّفُ وَيُرْوَى هَذَا عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ مَجْمُوعُ الْقُدْرَتَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ قُدْرَةُ اللَّهِ مُؤَثِّرَةٌ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ وَقُدْرَةُ الْعَبْدِ فِي وَصْفِهِ بِأَنْ تَجْعَلَهُ مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ طَاعَةً أَوْ مَعْصِيَةً. وَمَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ قُدْرَةُ اللَّهِ وَلِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ لَكِنْ لَا تَأْثِيرَ لَهَا، فَقِيلَ الْقُدْرَةُ بِلَا تَأْثِيرٍ كَلَا قُدْرَةَ. وَطَالَ نِزَاعُ الْخُصُومِ مَعَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكُنْتُ وَأَنَا بِبِلَادِ رُومِ أَيْلَى أَطْلَعَنِي بَعْضُ الْأَفَاضِلِ عَلَى كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ذَكَرَهُ الْخَادِمِيُّ فِي شَرْحِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَأَلَّفْتُ هُنَاكَ رِسَالَةً سَمَّيْتُهَا تُحْفَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>