للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(وَاعْرِضْ) عَلَى نَفْسِكَ (التَّوْبَةَ وَمَحَاسِنَهَا) أَيْ مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ مِنْ الْمَحَاسِنِ حَيْثُ ذَكَرْتَ سَعَةَ الرَّحْمَةِ لِتَتُوبَ عَمَّا فَعَلْتَ فَتَقْبَلُ وَيُعْفِي عَنْكَ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى (وَهِيَ) أَيْ التَّوْبَةُ (النَّدَمُ) عَلَى الْمَعْصِيَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَعْصِيَةٌ فَالنَّدَمُ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ لِإِضْرَارِهِ بِالْبَدَنِ لَيْسَ بِتَوْبَةٍ (وَتَتَحَقَّقُ بِالْإِقْلَاعِ) عَنْ الْمَعْصِيَةِ (وَعَزْمٍ أَنْ لَا يَعُودَ) إلَيْهَا (وَتَدَارُكِ مُمْكِنَ التَّدَارُكِ) مِنْ الْحَقِّ النَّاشِئِ عَنْهَا

ــ

[حاشية العطار]

مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ خُلُوَّ الْمَطَافِ فَكَانَتْ لَيْلَةٌ ظَلْمَاءُ بِهَا مَطَرٌ شَدِيدٌ فَخَلَا الطَّوَافُ فَدَخَلْتُ الطَّوَافَ وَكُنْت أَقُولُ اللَّهُمَّ أَعْصِمْنِي فَسَمِعْتُ هَاتِفًا يَقُولُ يَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ أَنْتَ سَأَلْتَنِي الْعِصْمَةَ وَكُلُّ النَّاسِ يَسْأَلُونِي الْعِصْمَةَ فَإِذَا عَصَمْتُهُمْ فَمَنْ أَرْحَمُ وَعَلَى مَنْ أَتَكَرَّمُ؟ .

وَرَأَى أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ سُرَيْجٍ فِي مَنَامِهِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ وَإِذَا الْجَبَّارُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ أَيْنَ الْعُلَمَاءُ قَالَ فَجَاءُوا ثُمَّ قَالَ مَاذَا عَمِلْتُمْ فِيمَا عَلِمْتُمْ قَالَ فَقُلْنَا يَا رَبِّ قَصَّرْنَا وَأَسَأْنَا قَالَ فَأَعَادَ السُّؤَالَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَأَرَادَ جَوَابًا آخَرَ فَقُلْتُ أَمَّا أَنَا فَلَيْسَ فِي صَحِيفَتِي الشِّرْكُ وَقَدْ وَعَدْتُ أَنْ تَغْفِرَ مَا دُونَهُ فَقَالَ اذْهَبُوا فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ كَذَا رَوَى الْقُشَيْرِيُّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى هَذِهِ الْحِكَايَةَ بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ لَنَا يَوْمًا أَحْسَبُ أَنَّ الْمَنِيَّةَ قَدْ قَرُبَتْ فَقُلْنَا وَكَيْفَ قَالَ رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ وَالنَّاسُ قَدْ حُشِرُوا وَكَانَ مُنَادِيًا يُنَادِي بِمَ أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ فَقُلْتُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ فَقَالَ مَا سُئِلْتُمْ عَنْ الْأَقْوَالِ بَلْ سُئِلْتُمْ عَنْ الْأَعْمَالِ فَقُلْتُ أَمَّا الْكَبَائِرُ فَقَدْ اجْتَنَبْنَاهَا وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَعَوَّلْنَا فِيهَا عَلَى عَفْوِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ اهـ.

وَيُعْجِبُنِي قَوْلُ أَبِي نُوَاسٍ:

يَا رَبِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً ... فَلَقَدْ عَلِمْتَ بِأَنَّ عَفْوَكَ أَعْظَمُ

إنْ كَانَ لَا يَرْجُوكَ إلَّا مُحْسِنٌ ... فَبِمَنْ يَلُوذُ وَيَسْتَجِيرُ الْمُجْرِمُ

مَالِي إلَيْكَ وَسِيلَةٌ إلَّا الرَّجَا ... وَعَظِيمُ عَفْوِكَ ثُمَّ إنِّي مُسْلِمُ

ثُمَّ إنَّ الرَّجَا عَلَى ثَلَاثَةٍ رَجُلٌ عَمِلَ حَسَنَةً فَهُوَ يَرْجُو قَبُولَهَا وَرَجُلٌ عَمِلَ سَيِّئَةً ثُمَّ تَابَ فَهُوَ يَرْجُو الْمَغْفِرَةَ وَالثَّالِثُ الرَّجَا الْكَاذِبُ وَصَاحِبُهُ يَتَمَادَى فِي الذُّنُوبِ وَيَقُولُ أَرْجُو الْمَغْفِرَةَ وَمَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ بِالْإِسَاءَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خَوْفُهُ غَالِبًا فَالْعَبْدُ يَكُونُ دَائِمًا بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَقَدْ يَغْلِبُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ وَفِي الطَّبَقَاتِ لِلْمُصَنَّفِ مِنْ كَلَامِ الْمُعْتَصِمِ بْنِ هَارُونَ الرَّشِيدِ اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أَخَافُكَ مِنْ قِبَلِي وَلَا أَخَافُك مِنْ قِبَلِك أَوْ أَرْجُوكَ مِنْ قِبَلِكَ وَلَا أَرْجُوك مِنْ قِبَلِي قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالنَّاسُ يَسْتَحْسِنُونَ هَذَا الْكَلَامَ مِنْهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ قِبَلِي لِمَا اقْتَرَفْتُهُ مِنْ الذُّنُوبِ لَا مِنْ قِبَلِكَ فَإِنَّكَ عَادِلٌ لَا تَظْلِمُ فَلَوْلَا الذُّنُوبُ لَمَا كَانَ لِلْخَوْفِ مَعْنًى وَأَمَّا الرَّجَاءُ فَمِنْ قِبَلِكَ لِأَنَّكَ مُتَفَضِّلٌ لَا مِنْ قِبَلِي لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مِنْ الطَّاعَاتِ وَالْمَحَاسِنِ مَا أَرْتَجِيكَ بِهَا وَالشِّقُّ الثَّانِي عِنْدَنَا صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّا نَقُولُ أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى يُخَافُ مِنْ قِبَلِهِ كَمَا يُخَافُ مِنْ قِبَلِنَا لِأَنَّهُ الْمَلِكُ الْقَهَّارُ يَخَافُهُ الطَّائِعُونَ وَالْعُصَاةُ وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَاعْرِضْ) بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ مِنْ عَرَضَ لِأَنَّهُ الْمُتَعَدِّي لَا مِنْ أَعْرَضَ اللَّازِمِ وَقَدْ خَالَفَ هَذَا الْفِعْلُ وَمِثْلُهُ كَيْفِيَّةُ الْأَفْعَالِ فِي أَنَّ الْمَبْدُوءَ بِالْهَمْزَةِ لَازِمٌ وَبِدُونِهَا مُتَعَدٍّ (قَوْلُهُ: التَّوْبَةُ) وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الرُّجُوعُ فَهِيَ رُجُوعٌ عَنْ الْمَذْمُومِ شَرْعًا قِيلَ وَهِيَ أَوَّلُ مَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ السَّالِكِينَ وَأَوَّلُ مَقَامٍ مِنْ مَقَامِ الطَّالِبِينَ (قَوْلُهُ: وَهِيَ النَّدَمُ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» أَيْ مُعْظَمُ أَرْكَانِهَا كَمَا يُقَالُ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَإِنَّمَا كَانَ مُعْظَمُ أَرْكَانِهَا النَّدَمَ لِأَنَّهُ يَسْتَتْبِعُ الْبَقِيَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَادِمًا عَلَى مَا هُوَ مُصِرٌّ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ عَازِمٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ (قَوْلُهُ: وَتَتَحَقَّقُ) أَيْ التَّوْبَةُ وَتَحَقُّقُهَا بِمَا ذَكَرَهُ مَحَلُّهُ فِي التَّوْبَةِ بَاطِنًا أَمَّا فِي الظَّاهِرِ لِتُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَتَعُودُ وَلَايَتُهُ فَلَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِهَا مَعَ ذَلِكَ فِي الْمَعْصِيَةِ الْقَوْلِيَّةِ مِنْ الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ فِي الْقَذْفِ قَذْفٌ بَاطِلٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعُودُ إلَيْهِ وَفِي الْفِعْلِيَّةِ كَالزِّنَا وَفِي شَهَادَةِ الزُّورِ وَقَذْفِ الْإِيذَاءِ مِنْ اسْتِبْرَاءِ سَنَةٍ. اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: وَتَدَارُكِ مُمْكِنَ التَّدَارُكِ) أَفَادَ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي التَّوْبَةِ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>