(فَإِنْ لَمْ تُقْلِعْ) عَنْ فِعْلِ الْخَاطِرِ الْمَذْكُورِ (لِاسْتِلْذَاذٍ) بِهِ (أَوْ كَسَلٍ) عَنْ الْخُرُوجِ مِنْهُ (فَتَذَكَّرْ هَاذِمَ اللَّذَّاتِ وَفَجْأَةَ الْفَوَاتِ) أَيْ تَذَكَّرْ الْمَوْتَ وَفَجْأَتَهُ الْمُفَوِّتَةَ لِلتَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ فَإِنَّ تَذَكُّرَ ذَلِكَ بَاعِثٌ شَدِيدٌ عَلَى الْإِقْلَاعِ عَمَّا تَسْتَلِذُّ بِهِ أَوْ الْكَسَلِ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ زَادَ ابْنُ حِبَّانَ «فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ فِي ضِيقٍ إلَّا وَسَّعَهُ وَلَا ذَكَرَهُ فِي سَعَةٍ إلَّا ضَيَّقَهَا عَلَيْهِ» وَهَاذِمٌ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قَاطِعٌ (أَوْ) لَمْ تُقْلِعْ (لِقُنُوطٍ) مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَفْوِهِ عَمَّا فَعَلَتْ لِشِدَّتِهِ أَوْ لِاسْتِحْضَارِ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى (فَخَفْ مَقْتَ رَبِّكَ) أَيْ شِدَّةَ عِقَابِ مَالِكِكَ الَّذِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي عَبْدِهِ مَا يَشَاءُ حَيْثُ أَضَفْتَ إلَى الذَّنْبِ الْيَأْسَ مِنْ الْعَفْوِ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: ٨٧] أَيْ رَحْمَتِهِ {إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧] (وَاذْكُرْ سَعَةَ رَحْمَتِهِ) الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا إلَّا هُوَ أَيْ اسْتَحْضِرْهَا لِتَرْجِعَ عَنْ قُنُوطِكَ وَكَيْفَ تَقْنَطُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣] أَيْ غَيْرَ الشِّرْكِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: ٤٨] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»
ــ
[حاشية العطار]
فَسَكَتَ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تُقْلِعْ عَنْ فِعْلِ الْخَاطِرِ) وَمِنْهُ تَرْكُ الْوَاجِبِ لِأَنَّهُ كَفُّ النَّفْسِ وَهُوَ فِعْلٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَتَذَكَّرْ هَاذِمَ اللَّذَّاتِ) ذَكَرَهُ فِي عَدَمِ الْإِقْلَاعِ لِلِاسْتِلْذَاذِ وَالْكَسَلِ وَذَكَرَ فِي عَدَمِ الْإِقْلَاعِ لِلْقُنُوطِ خَوْفَ الْمَقْتِ لِنَوْعِ مُنَاسَبَةٍ وَإِلَّا فَيَصِحُّ الْعَكْسُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ إلَخْ) يُفَسَّرُ بِمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ مَا ذُكِرَ فِي قَلِيلٍ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا كَثَّرَهُ وَلَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمَلِ إلَّا قَلَّلَهُ.
(قَوْلُهُ: أَيْ شِدَّةَ عِقَابِ مَالِكَ) فِي التَّعْبِيرِ بِالْمَالِكِ وَالْعَبْدِ بَدَلُ الضَّمِيرِ فِيهِمَا مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ لَهُ مِنْ حُسْنِ الصَّنِيعِ مَا لَا يَخْفَى فَإِنَّ فِيهِ مَعَ صِنَاعَةِ الطِّبَاقِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ الْعَاصِيَ لَا تُخْرِجُهُ مَعْصِيَتُهُ الَّتِي سَوَّلَتْهَا رُعُونَةُ النَّفْسِ عَنْ مَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إنْ أَبَقَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى سَيِّدِهِ وَرُجُوعُ الْعَاصِي بِالتَّوْبَةِ لِأَنَّهَا رُجُوعُ وَلِيِّ اللَّهِ فَالتَّوْبَةُ مِنْ اللَّهِ إلَى اللَّهِ بِاَللَّهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا رَوَى الْقُشَيْرِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ أَنَّهُ قَالَ تَابَ بَعْضُ الْمُرِيدِينَ ثُمَّ وَقَعَتْ لَهُ فَتْرَةٌ وَكَانَ يُفَكِّرُ وَقْتًا لَوْ عَادَ إلَى التَّوْبَةِ كَيْفَ حُكْمُهُ فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ يَا أَبَا فُلَانٍ أَطَعْتَنَا فَشَكَرْنَاكَ ثُمَّ تَرَكْتَنَا فَأَهْمَلْنَاكَ فَإِنْ عُدْتَ إلَيْنَا قَبِلْنَاكَ اهـ.
وَمِنْ لَطَائِفِ التَّنْزِيلِ {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: ٦] فَإِنَّ فِيهِ إيمَاءً إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ كَرَّمَهُ وَلَوْ أَنَّهُ ذَكَرَ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ الْجَلَالِ كَالْقَهَّارِ لَذَابَ الْعَبْدُ مِنْ هَذَا الْخِطَابِ وَتَلَاشَى فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَمَاسَكَ إلَى الْجَوَابِ وَقَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا} [العنكبوت: ٤] إشَارَةٌ إلَى سَبْقِ الْغُفْرَانِ وَغَلَبَةِ الرَّحْمَةِ قَدْ يُشِيرُ كَلَامُ الشَّارِحِ إلَى مَعْنًى آخَرَ أَيْضًا وَهُوَ تَوْبِيخُ الْعَاصِي بِأَنَّ ارْتِكَابَهُ إلَى الْمَعْصِيَةِ غَيْرُ لَائِقٍ بِهِ فَإِنَّ شَأْنَ الْعَبْدِ عَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ الْمَالِكِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ كَمَالِ بَاشَا فِي شَرْحِ فَوَائِدِهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْله تَعَالَى {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: ١١٨] الْآيَةَ ظَاهِرُهُ تَعْلِيلٌ وَبَيَانٌ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْعَذَابَ حَيْثُ كَانُوا عِبَادًا لِلَّهِ وَعَبَدُوا غَيْرَهُ وَبَاطِنُهُ اسْتِعْطَافٌ لَهُمْ وَطَلَبُ رَأْفَةٍ بِهِمْ وقَوْله تَعَالَى {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: ١١٨] يَعْنِي لَا شَيْنَ لِشَأْنِكَ فِي عَدَمِ مُؤَاخَذَتِهِمْ بِالْعَذَابِ لِأَنَّكَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَظِنَّةِ الْعَجْزِ وَالْقُصُورِ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَفِيهِ تَلْوِيحٌ إلَى أَنَّ مَغْفِرَةَ الْكَافِرِينَ لَا تُنَافِي الْحِكْمَةَ وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ نَفْيَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيِّينَ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرَ الشِّرْكِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] (قَوْلُهُ: فَيَغْفِرُ لَهُمْ) أَيْ لِيَتَحَقَّقَ كَوْنُهُ غَفُورًا وَإِلَّا فَلَوْ لَمْ يُذْنِبُوا لَتَعَطَّلَ كَوْنُهُ غَفُورًا وَهُوَ مِنْ بَابِ تَقْوِيَةِ الرَّجَاءِ وَالطَّمَعِ فِي الْعَفْوِ لَا الْحَمْلِ عَلَى إيقَاعِ الذُّنُوبِ يُحْكَى عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ قَالَ كُنْتُ أَنْتَظِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute