ذَلِكَ (قَالَ السُّهْرَوَرْدِيّ) بِضَمِّ السِّينِ صَاحِبُ عَوَارِفُ الْمَعَارِفِ لِمَنْ سَأَلَهُ أَنَعْمَلُ مَعَ خَوْفِ الْعُجْبِ وَلَا نَعْمَلُ حَذَرًا مِنْهُ (اعْمَلْ وَإِنْ خِفْتَ الْعُجْبَ مُسْتَغْفِرًا) مِنْهُ أَيْ إذَا وَقَعَ قَصْدًا كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ تَرَكَ الْعَمَلِ لِلْخَوْفِ مِنْهُ مِنْ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ (وَإِنْ كَانَ) الْخَاطِرُ (مَنْهِيًّا) عَنْهُ (فَإِيَّاكَ) أَنْ تَفْعَلَهُ (فَإِنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنْ مِلْتَ) إلَى فِعْلِهِ (فَاسْتَغْفِرْ) اللَّهَ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْمَيْلِ (وَحَدِيثُ النَّفْسِ) أَيْ تَرَدُّدُهَا بَيْنَ فِعْلِ الْخَاطِرِ الْمَذْكُورِ وَتَرْكِهِ (مَا لَمْ يَتَكَلَّم أَوْ يَعْمَلُ) بِهِ (وَالْهَمُّ) مِنْهَا بِفِعْلِهِ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ (مَغْفُورَانِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَعْمَلْ أَوْ يَتَكَلَّمْ بِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ أَيْ عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً»
ــ
[حاشية العطار]
- صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - دَائِمًا فِي مَقَامِ التَّرَقِّي وَيُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى} [الضحى: ٤] (قَوْلُهُ: صَاحِبُ عَوَارِفُ الْمَعَارِفِ) احْتِرَازٌ عَنْ السُّهْرَوَرْدِيّ الْحَكِيمِ صَاحِبِ حِكْمَةُ الْإِشْرَاقِ وَالْهَيَاكِلِ وَغَيْرِهِمَا فَذَاكَ صُوفِيٌّ وَهَذَا حَكِيمٌ وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ.
(قَوْلُهُ: اعْمَلْ وَإِنْ خِفْتَ الْعُجْبَ) وَلِذَلِكَ قِيلَ إنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ خَوْفًا مِنْ الرِّيَاءِ رِيَاءٌ وَاشْتَهَرَ أَنَّ رِيَاءَ الْعَارِفِينَ أَفْضَلُ مِنْ إخْلَاصِ الْمُرِيدِينَ فَقِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ إنَّ لِلرِّيَاءِ مَرَاتِبَ فَإِنَّهُ الْعَمَلُ لِغَيْرِ اللَّهِ أَيًّا كَانَ فَالْمُرِيدُ يَتَخَلَّصُ مِنْ أَوَّلِ مَرَاتِبِهِ وَالْعَارِفُ يَعُدُّ آخِرَ مَرَاتِبِهِ رِيَاءً وَبَيْنَهُمَا بَوْنٌ بَعِيدٌ (قَوْلُهُ: مُسْتَغْفِرًا مِنْهُ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ اعْمَلْ مُنْتَظِرَةً أَوْ مُقَارَنَةً بِحَسَبِ اعْتِبَارِ وَقْتِ الِاسْتِغْفَارِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ لِلْخَوْفِ مِنْهُ) قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ تَرْكُ الْعَمَلِ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ وَالْعَمَلُ لِأَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُعَافِيَك مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ) فَرَّقَ الْجُنَيْدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ هَوَاجِسِ النَّفْسِ وَوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ بِأَنَّ النَّفْسَ إنْ طَلَبَتْكَ بِشَيْءِ أَلَحَّتْ فَلَا تَزَالُ تُعَاوِدُ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ حَتَّى تَصِلَ مُرَادَهَا وَتَفْعَلَ مَقْصُودَهَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَدُومَ صِدْقُ الْمُجَاهَدَةِ ثُمَّ إنَّهَا تُعَاوِدُ وَتُعَاوِدُ أَمَّا الشَّيْطَانُ إذَا دَعَاهُ إلَى زَلَّةٍ وَخَالَفْتَهُ يَتْرُكُ ذَلِكَ وَيُوَسْوِسُ بِزَلَّةٍ أُخْرَى لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُخَالَفَاتِ لَهُ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ دَاعِيًا أَبَدًا إلَى زَلَّةٍ مَا وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي تَخْصِيصِ وَاحِدَةٍ دُونَ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ كُلُّ خَاطِرٍ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْمَلَكِ فَرُبَّمَا يُوَفِّقُهُ صَاحِبُهُ وَرُبَّمَا يُخَالِفُهُ وَأَمَّا الْخَاطِرُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ قَبْلِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ فَلَا يَحْصُلُ خِلَافٌ مِنْ الْعَبْدِ لَهُ وَفِي الْمَتْنِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيِّ وَسَمِعْتُهُ يَعْنِي سَيِّدِي عَلِيًّا الْخَوَّاصَ أَيْضًا يَقُولُ لَمْ يَعْصِمْ اللَّهُ تَعَالَى الْأَكَابِرَ مِنْ وَسْوَسَةِ إبْلِيسَ لَهُمْ وَإِنَّمَا عَصَمَهُمْ عَنْ الْعَمَلِ بِمَا يُوَسْوِسُ لَهُمْ فَقَطْ فَهُوَ يُلْقِي إلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَعْمَلُونَ بِذَلِكَ لِعِصْمَتِهِمْ أَوْ حِفْظِهِمْ قَالَ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [الحج: ٥٢] اهـ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ السَّهْوِ وَالْوَسْوَسَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مَعْنَى «إنِّي لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي» الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَعْمَلْ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِبَاءِ الْغَائِبِ أَيْ الشَّخْصُ ذُو النَّفْسِ أَوْ الْمَبْدُوءِ بِتَاءِ الْغَائِبَةِ أَيْ النَّفْسُ وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِذَلِكَ الْخَاطِرِ إنْ كَانَ مَعْصِيَةً قَوْلِيَّةً أَوْ يَعْمَلُ ذَلِكَ الْخَاطِرِ إنْ كَانَ مَعْصِيَةً فِعْلِيَّةً (قَوْلُهُ وَالْهَمُّ مِنْهَا بِفِعْلِهِ) أَرَادَ بِالْفِعْلِ أَيْضًا مَا يَشْمَلُ الْقَوْلَ وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَعْمَلْ أَيْ فَقَدْ حَذَفَ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ فَهَلَّا أَخَّرَ الْقَيْدَ لِأَنَّ رُجُوعَهُ إلَيْهَا مَعَ التَّأَخُّرِ أَظْهَرُ مِنْهُ مَعَ التَّوَسُّطِ.
(قَوْلُهُ: مَغْفُورَانِ) خَبَرُ قَوْلِهِ وَحَدِيثُ النَّفْسِ وَالْهَمُّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِمَا إذْ لَا إثْمَ فِيهِمَا حَتَّى يَغْفِرَ، وَيُعْلَمُ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْهَاجِسِ وَالْخَاطِرِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَكَمَا أَنَّهُ لَا مُؤَاخَذَةَ لَا ثَوَابَ) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً» الْمُرَادُ مِنْهُ أَمَّا الْعَزْمُ أَوْ كَتَبَهَا حَسَنَةً إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ التَّرْكُ لَا مِنْ حَيْثُ الْهَمُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute