للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ بَعْدَ أَنْ عَرَفْتَ حَالَ عَلِيِّ الْهِمَّةِ وَدَنِيئِهَا (صَلَاحًا) مِنْكَ (أَوْ فَسَادًا وَرِضًا) عَنْكَ (أَوْ سَخَطًا وَقُرْبًا) مِنْ اللَّهِ (أَوْ بُعْدًا وَسَعَادَةً) مِنْهُ (أَوْ شَقَاوَةً وَنَعِيمًا) مِنْهُ (أَوْ جَحِيمًا) فَأَفَادَ بِدُونِكَ الْإِغْرَاءَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاحِ وَمَا يُنَاسِبُهُ وَالتَّحْذِيرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَسَادِ وَمَا يُنَاسِبُهُ (وَإِذَا خَطَرَ لَكَ أَمْرٌ) أَيْ أَلْقَى فِي قَلْبِكَ (فَزِنْهُ بِالشَّرْعِ) وَلَا يَخْلُو حَالُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْكَ مِنْ حَيْثُ الطَّلَبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَوْ مَشْكُوكًا فِيهِ.

(فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا) بِهِ (فَبَادِرْ) إلَى فِعْلِهِ (فَإِنَّهُ مِنْ الرَّحْمَنِ) رَحِمَكَ حَيْثُ أَخْطَرَهُ بِبَالِكَ أَيْ أَرَادَ لَكَ الْخَيْرَ (فَإِنْ خَشِيتَ وُقُوعَهُ لَا إيقَاعَهُ عَلَى صِفَةٍ مَنْهِيَّةٍ) كَعُجْبٍ أَوْ رِيَاءٍ (فَلَا) بِأَمْرٍ (عَلَيْكَ) فِي وُقُوعِهِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْقَعْتَهُ عَلَيْهَا قَاصِدًا لَهَا فَعَلَيْكَ ثُمَّ ذَلِكَ فَتَسْتَغْفِرُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي

(وَاحْتِيَاجُ اسْتِغْفَارِنَا إلَى اسْتِغْفَارٍ) لِنَقْصِهِ بِغَفْلَةِ قُلُوبِنَا مَعَهُ بِخِلَافِ اسْتِغْفَارِ الْخُلَّصِ وَرَابِعَةُ الْعَدَوِيَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْهُمْ وَقَدْ قَالَتْ اسْتِغْفَارُنَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِغْفَارٍ هَضْمًا لِنَفْسِهَا (لَا يُوجِبُ تَرْكَ الِاسْتِغْفَارِ) مِنَّا الْمَأْمُورَ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ الصَّمْتُ خَيْرًا مِنْهُ بَلَى نَأْتِي بِهِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الِاسْتِغْفَارِ لِأَنَّ اللِّسَانَ إذَا أَلِفَ ذِكْرًا يُوشِكُ أَنْ يَأْلَفَهُ الْقَلْبُ فَيُوَافِقَهُ (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ أَنَّ احْتِيَاجَ الِاسْتِغْفَارِ لَا يُوجِبُ تَرْكَهُ أَيْ مِنْ أَجْلِ

ــ

[حاشية العطار]

وَالتَّحْذِيرِ مَعًا قَالَ النَّجَّارِيُّ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ مَعًا.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا خَطَرَ لَكَ أَمْرٌ) الْخَاطِرُ خِطَابٌ يَرِدُ عَلَى الضَّمَائِرِ فَقَدْ يَكُونُ بِإِلْقَاءِ مَلَكٍ وَقَدْ يَكُونُ بِإِلْقَاءِ شَيْطَانٍ وَيَكُونُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّفْسِ وَيَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ مَلَكٍ فَهُوَ الْإِلْهَامُ وَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ قِيلَ لَهُ الْهَاجِسُ وَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ قِيلَ لَهُ الْوَسْوَاسُ فَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَهُوَ خَاطِرُ حَقٍّ وَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَلَكِ وَيَعْلَمُ صِدْقَهُ بِمُوَافَقَةِ الْعِلْمِ وَلِهَذَا قَالُوا كُلُّ خَاطِرٍ لَا يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرٌ مِنْ الشَّرْعِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذَا كَانَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَأَكْثَرُهُ يَدْعُوهُ إلَى الْمَعَاصِي وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّفْسِ فَأَكْثَرُهُ يَدْعُوهُ إلَى اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ وَاسْتِشْعَارِ كِبْرٍ أَوْ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِ أَوْصَافِ النَّفْسِ. وَاتَّفَقَ الْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ أَكْلُهُ مِنْ الْحَرَامِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْإِلْهَامِ وَالْوَسْوَاسِ.

وَأَمَّا الْوَارِدُ فَهُوَ مَا يَرِدُ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ الْخَوَاطِرِ الْمَحْمُودَةِ مِمَّا لَا يَكُونُ بِتَعَمُّدِ الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ مَا لَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْخَوَاطِرِ فَهُوَ أَيْضًا وَارِدٌ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ وَارِدًا مِنْ الْحَقِّ وَوَارِدًا مِنْ الْعِلْمِ فَالْوَارِدَاتُ أَعَمُّ مِنْ الْخَوَاطِرِ لِأَنَّ الْخَوَاطِرَ تَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ الْخِطَابِ وَمَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَاهُ وَالْوَارِدَاتُ تَكُونُ وَارِدَ سُرُورٍ وَوَارِدَ حُزْنٍ وَوَارِدَ قَبْضٍ وَوَارِدَ بَسْطٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الطَّلَبُ) أَيْ طَلَبُ الْفِعْلِ أَوْ طَلَبُ التَّرْكِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَرَادَ لَكَ الْخَيْرَ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ رَحِمَكَ لَا لِأَخْطَرَهُ؛ إذْ الْإِرَادَةُ صِفَةُ ذَاتٍ وَالْأَخْطَارُ صِفَةُ فِعْلٍ (قَوْلُهُ: لَا إيقَاعُهُ) أَيْ لَا إنْ خَشِيْتَ إيقَاعَهُ وَأَوْقَعْتُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْقَعْتُهُ وَلَمْ يَقُلْ بِخِلَافِ مَا إذَا خَشِيتُ إيقَاعَهُ أَيْ مِنْ غَيْرِ إيقَاعٍ (قَوْلُهُ: فَتَسْتَغْفِرُ مِنْهُ) تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ وَاحْتِيَاجُ اسْتِغْفَارِنَا إلَخْ

(قَوْلُهُ: هَضْمًا لِنَفْسِهَا) أَيْ رُؤْيَتِهَا نَفْسَهَا كَذَلِكَ وَقَدْ قَالَ سَيِّدِي عَلِيٌّ وَفَا إنْ دَخَلْتَ فِي طَاعَةٍ فَاخْرُجْ شَاكِرًا بِنِيَّةٍ أَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ مَعْصِيَةٍ فَاخْرُجْ تَائِبًا رَاضِيًا بِالْقَضَاءِ اهـ.

(قَوْلُهُ: الْمَأْمُورِ بِهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ الْعُزَيْرِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَكَانَ «مِنْ سُنَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَوَامُ الِاسْتِغْفَارِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي حَتَّى أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» سَأَلَ شُعْبَةُ الْأَصْمَعِيَّ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ قَلْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَّرْتُ لَكَ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَلَا أَدْرِي فَكَانَ شُعْبَةُ يَتَعَجَّبُ مِنْ ذَلِكَ. وَعَنْ الْجُنَيْدِ لَوْلَا أَنَّهُ حَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتَكَلَّمْتُ فِيهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ عَلَى حَالٍ إلَّا مَنْ كَانَ مُشْرِفًا عَلَيْهَا وَجَلَّتْ حَالَتُهُ أَنْ يُشْرِفَ عَلَى نِهَايَتِهَا أَحَدٌ مِنْ الْخَلْقِ تَمَنَّى الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ عُلُوِّ رُتْبَتِهِ أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ فَعَنْهُ لَيْتَنِي شَاهَدْتُ مَا اسْتَغْفَرَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي اسْتَحْسَنَهُ وَالِدِي أَنَّهُ لِلتَّرَقِّي فِي الدَّرَجَاتِ فَكُلَّمَا رَقِيَ دَرَجَةً رَأَى الَّتِي تَحْتَهَا قَاصِرَةً بِالْإِضَافَةِ لَهَا فَيَسْتَغْفِرُ اهـ.

فَالْأَنْبِيَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>