تَجَدَّدَ لَهُ ذِكْرُ تِلْكَ الْأَحْوَالِ.
(وَ) أَنْ (يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى» أَيْ يَظُنُّ أَنْ يَرْحَمَهُ وَيَعْفُوَ عَنْهُ وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «قَالَ اللَّهُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي»
ــ
[حاشية الجمل]
عِنْدَهُ الرَّعْدُ لِقَوْلِ جَابِرٍ إنَّهَا تُهَوِّنُ طُلُوعَ الرُّوحِ وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْجِيلِيّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَجْرِيعُهُ الْمَاءَ فَإِنَّ الْعَطَشَ يَغْلِبُ مِنْ شِدَّةِ النَّزْعِ فَيُخَافُ مِنْهُ إزْلَالُ الشَّيْطَانِ إذْ وَرَدَ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَاءٍ زُلَالٍ أَيْ عَذْبٍ وَيَقُولُ قُلْ لَا إلَهَ غَيْرِي حَتَّى أَسْقِيَك وَأَقَرَّهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ غَرِيبٌ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا اهـ.
وَمَحَلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ أَمَارَةِ احْتِيَاجِ الْمُحْتَضَرِ إلَيْهِ أَمَّا عِنْدَ ظُهُورِهَا فَهُوَ وَاجِبٌ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ وَيَقْرَأُ عِنْدَهُ الرَّعْدَ أَيْ بِتَمَامِهَا إنْ اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَمَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْهَا وَقَوْلُهُ لِقَوْلِ جَابِرٍ إلَخْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا سِرًّا وَلَوْ أَمَرَهُ الْمُحْتَضَرُ بِالْقِرَاءَةِ جَهْرًا لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ إيلَامٍ لَهُ وَبَقِيَ مَا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهُمَا فَهَلْ تُقَدَّمُ يس لِصِحَّةِ حَدِيثِهَا أَمْ الرَّعْدُ فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِمُرَاعَاةِ حَالِ الْمُحْتَضَرِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ شُعُورٌ وَتَذَكُّرٌ لِمُجَرَّدِ الْبَعْثِ قَرَأَ سُورَةَ يس وَإِلَّا قَرَأَ سُورَةَ الرَّعْدِ. اهـ. ع ش عَلَيْهِ
(تَنْبِيهٌ) قَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَحْضُرُ مَوْتَ كُلِّ مُؤْمِنٍ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ) كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّخْصِ تَقْتَضِي كَوْنَهُ يُدْرِكُهَا وَيَسْمَعُهَا وَالْمَيِّتُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَقُولُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْتِدْلَالًا مِنْهُ عَلَى قَوْلِهِ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَعْنِي أَنَّهُ أَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ مَوْتَاكُمْ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ تَمْتَنِعُ الْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْرُوءُ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَهُ إدْرَاكٌ وَاسْتِمَاعٌ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْحَيَّ الَّذِي حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْتَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِوُجُودِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ» لَا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مُمْتَنِعَةٌ عِنْدَ الْمَيِّتِ هَكَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادَ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. سَمِّ (قَوْلُهُ تَجَدَّدَ لَهُ ذِكْرُ تِلْكَ الْأَحْوَالِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُسَنُّ قِرَاءَتُهَا عِنْدَهُ جَهْرًا بِخِلَافِ الرَّعْدِ فَتُقْرَأُ سِرًّا وَإِنْ طَلَبَ الْمَيِّتُ الْجَهْرَ بِهَا اهـ. مِنْ ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ وَيُحْسِنُ ظَنَّهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ وَيُقْرَأُ أَيْضًا بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ مُشَدَّدَةً وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمَرِيضِ مِنْ حَيْثُ هُوَ اهـ. شَيْخُنَا وَفِي ع ش عَلَى م ر مِثْلُهُ وَإِلَّا ظَهَرَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ اسْتِوَاءُ خَوْفِهِ وَرَجَائِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَعًا وَفِي الْإِحْيَاءِ إنْ غَلَبَ دَاءُ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ أَوْلَى أَوْ دَاءُ أَمْنِ الْمَكْرِ فَالْخَوْفُ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اسْتَوَيَا قِيلَ وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ أَمَّا الْمَرِيضُ غَيْرُ الْمُحْتَضَرِ فَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ أَنَّهُ كَالْمُحْتَضَرِ فَيَكُونُ رَجَاؤُهُ أَغْلَبَ مِنْ خَوْفِهِ كَمَا مَرَّ وَالظَّنُّ يَنْقَسِمُ فِي الشَّرْعِ إلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَحَرَامٍ وَمُبَاحٍ فَالْوَاجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ لَا يَظُنَّ بِهِ سُوءًا كَنِسْبَتِهِ لِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ وَالْحَرَامُ سُوءُ الظَّنِّ بِهِ تَعَالَى وَبِكُلِّ مَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُبَاحُ الظَّنُّ بِمَنْ اُشْتُهِرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِمُخَالَطَةِ الرَّيْبِ وَالْمُجَاهَرَةِ بِالْخَبَائِثِ فَلَا يَحْرُمُ سُوءُ الظَّنِّ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ دَلَّ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا أَنَّ مَنْ سَتَرَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يُظَنَّ بِهِ إلَّا خَيْرًا وَمَنْ دَخَلَ مَدْخَلَ السُّوءِ اُتُّهِمَ وَمَنْ هَتَكَ نَفْسَهُ ظَنَنَّا بِهِ السُّوءَ وَمِنْ الظَّنِّ الْجَائِزِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَظُنُّ الشَّاهِدَانِ فِي التَّقْوِيمِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَمَا يَحْصُلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْأَحْكَامِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا وَالْبَيِّنَاتُ عِنْدَ الْحُكَّامِ اهـ. شَرْحُ م ر.
وَقَوْلُهُ وَالْمُبَاحُ الظَّنُّ إلَخْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَنْدُوبَ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْإِجْمَالِ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَسْتَحْضِرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَا يُنَافِي أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاجِبٌ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ لَا يَظُنَّ بِهِ سُوءًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَكْرُوهَ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ تَأَتِّيه وَقَدْ يُصَوَّرُ بِأَنْ يَظُنَّ فِي نَفْسِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْحَمُهُ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ هَذَا وَقَوْلُهُ فَلَا يَحْرُمُ ظَنُّ السُّوءِ بِهِ يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ عَدَمَ حُرْمَةِ ظَنِّ السُّوءِ لَا يَسْتَلْزِمُ إبَاحَةَ ظَنِّ السُّوءِ بِمَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ سَكَتَ عَنْ الْمَنْدُوبِ وَفِي الدَّمِيرِيّ وَالْمَنْدُوبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) تَتِمَّتُهُ فَلَا يَظُنُّ بِي إلَّا خَيْرًا وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَدَبُّرِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ بِسِعَةِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالْأَحَادِيثُ كَذَلِكَ وَعَنْ ابْنِ شُرَيْحٍ أَنَّهُ رَأَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فِي الْمَنَامِ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَامَتْ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ أَيْنَ الْعُلَمَاءُ فَجَاءُوا فَقَالَ مَا عَمِلْتُمْ فِيمَا عَلِمْتُمْ فَقَالُوا أَسَأْنَا وَقَصَّرْنَا ثُمَّ أَعَادَ السُّؤَالَ فَقَالُوا كَذَلِكَ فَقُلْت أَمَّا أَنَا فَلَيْسَ فِي صَحِيفَتِي شِرْكٌ وَقَدْ وَعَدْت أَنْ تَغْفِرَ مَا دُونَ ذَلِكَ فَقَالَ اذْهَبُوا فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute