وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْإِيمَانِ عَلَى الْأَعْمَالِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ.
قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: ١٤٣] أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاتُكُمْ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَكْمُلُ) قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ (قَوْلُ الْإِيمَانِ) وَهُوَ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ (إلَّا بِالْعَمَلِ) أَيْ بِعَمَلِ الْجَوَارِحِ، وَمَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَمَلَ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَقِيلَ: الْكَمَالُ فِي كَلَامِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَمَلَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَعَلَيْهِ إذَا عَمِلَ كَانَ إيمَانُهُ كَامِلًا مُنَجِّيًا لَهُ مِنْ النَّارِ، وَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ صَحَّ إيمَانُهُ وَكَانَ غَيْرَ كَامِلٍ.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْفَائِدَةِ الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَكْمُلُ) بِمَعْنَى لَا يَصِحُّ (قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ) صَحِيحٌ مِمَّا هُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى نِيَّةٍ (إلَّا بِنِيَّةٍ) أَيْ قَصْدٍ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا مِمَّا هُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ كَزَوَالِ النَّجَاسَةِ وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ وَالْأَذَانِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْفَائِدَةِ الرَّابِعَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) أَيْ وَلَا يَكْمُلُ بِمَعْنَى لَا يَصِحُّ (قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا نِيَّةٌ إلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ) النَّبَوِيَّةِ وَمُوَافَقَتِهَا
ــ
[حاشية العدوي]
الثَّمَرَاتِ لَا نَفْسِ التَّصْدِيقِ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِهِمَا أَرَادَ نَفْسَ التَّصْدِيقِ، هَذَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّصْدِيقَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ فِي النَّقْصِ، بِكَثْرَةِ النَّظَرِ وَتَظَاهُرِ الْأَدِلَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَبُولِهِ النَّقْصَ وَالزِّيَادَةَ أَنْ يَكُونَ شَكًّا وَكُفْرًا كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
[قَوْلُهُ: أَنَّهُ الْمَشْهُورُ] أَيْ الْمَشْهُورُ عَنْهُ هُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ كَمَا أَفَادَهُ تت.
[قَوْلُهُ: عَلَى الْأَعْمَالِ] أَيْ عَلَى مَا يَعُمُّ الْأَعْمَالَ أَيْ عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّتِي الْأَعْمَالُ جُزْءٌ مِنْهَا، هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهُ يُنَافِيهِ الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا إطْلَاقُ الْإِيمَانِ عَلَى الْأَعْمَالِ فَقَطْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ اسْتِدْلَالٌ فِي الْجُمْلَةِ [قَوْلُهُ: عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ] ظَاهِرُهُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَانْظُرْهُ [قَوْلُهُ: قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ] هَذَا الْحَمْلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ فَلَا يُنَاسِبُ الْحَمْلَ عَلَيْهِ بَلْ الصَّوَابُ إبْقَاءُ الْعِبَارَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ أَنَّ الْعَمَلَ شَرْطُ كَمَالٍ [قَوْلُهُ: الْإِيمَانِ] أَيْ الْقَوْلُ الْمَنْسُوبُ لِلْإِيمَانِ مِنْ نِسْبَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ [قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ] أَيْ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ قَالَهُ عج وَأَرَادَ بِالتَّلَفُّظِ بِهِمَا حَرَكَةَ اللِّسَانِ بِهِمَا.
[قَوْلُهُ: دَاخِلٌ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ] أَيْ أَصْلِ الْإِيمَانِ أَيْ الْإِيمَانِ الَّذِي بِهِ النَّجَاةُ مِنْ الْعَذَابِ الْمُخَلِّدِ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْكَمَالُ] هَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
[قَوْلُهُ: غَيْرُ دَاخِلٍ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ] أَيْ الْإِيمَانِ الَّذِي بِهِ النَّجَاةُ مِنْ الْعَذَابِ الْمُخَلِّدِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ. [قَوْلُهُ: مُنَجِّيًا لَهُ مِنْ النَّارِ] أَيْ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُهَا أَبَدًا، وَقَوْلُهُ صَحَّ إيمَانُهُ أَيْ فَلَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ. [قَوْلُهُ: صَحِيحٌ] الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَصِحُّ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ، فَالتَّقْدِيرُ وَلَا يَصِحُّ عَمَلٌ إلَّا بِنِيَّةٍ فَلَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَحِيحٌ. [قَوْلُهُ: كَزَوَالِ النَّجَاسَةِ وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ] مِثَالٌ لِلْفِعْلِ وَالْغُصُوبُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْوَدَائِعِ وَهُوَ جَمْعُ غَصْبٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَغْصُوبُ.
[قَوْلُهُ: وَالْأَذَانِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ] مِثَالٌ لِلْقَوْلِ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ سَنَدٌ أَنَّ الْأَذَانَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ، وَلَمْ نَرَ مَنْ نَقَلَ غَيْرَهُ كَمَا قَالَهُ عج، أَقُولُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَمْلَ النِّيَّةِ عَلَى الْقَصْدِ لَا يُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْ بَابِ الْفُرُوعِ وَلَمْ يَكُنْ الْكَلَامُ فِيهَا، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْإِخْلَاصِ أَيْ لَا يَصِحُّ قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ إلَّا بِإِخْلَاصٍ، فَقَدْ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا بِنِيَّةٍ مَا نَصُّهُ، أَيْ مُخْلَصَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْإِخْلَاصَ فِي الْعِبَادَاتِ فَرْضٌ، وَهُوَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْأَعْمَالَ لِلَّهِ فَإِنْ ابْتَدَأَ الْعَمَلَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَسَدَ بِاتِّفَاقٍ، فَإِذَا ابْتَدَأَهُ لِلَّهِ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ، وَإِذَا ابْتَدَأَهُ لِلَّهِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَأَتَمَّهُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَمْ يَدْفَعْ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِهِ فَمَا بَعْدُ يَبْطُلُ بِاتِّفَاقٍ، وَمَا قَبْلُ قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ، وَأَمَّا إذَا دَفَعَ ذَلِكَ فَلَا بُطْلَانَ بِاتِّفَاقٍ اهـ مُلَخَّصًا
[قَوْلُهُ: السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ] أَيْ شَرِيعَتُهُ أَيْ أَحْكَامُهُ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، بِمَعْنَى أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَغَيْرِهِمَا وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، فَالْوَصْفُ بِقَوْلِهِ النَّبَوِيَّةِ كَاشِفٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا أَيْ