اتِّبَاعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَاتِّبَاعَ السَّلَفِ الصَّالِحِ قَالَ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» الْحَدِيثَ. فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَا مَعْرُوضَيْنِ عَلَى السُّنَّةِ، فَمَا وَافَقَهَا فَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَمَا خَالَفَهَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَكَانَ مَعْصِيَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا.
(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّهُ (لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ بِذَنْبٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) أَيْ الْإِسْلَامِ. ك: مَا قَالَهُ هُوَ مَذْهَبُ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ سَلَفًا وَخَلَفًا خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ، حَيْثُ قَالُوا: كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرَةٌ وَكُلُّ كَبِيرَةٍ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ وَمُرْتَكِبُهَا كَافِرٌ، وَخِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ قَالُوا: كُلُّ كَبِيرَةٍ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ وَمُرْتَكِبُهَا لَهُ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا وَلَا كَافِرًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ فَاسِقٌ وَهَذَا بِنَاءٌ مِنْهُمْ عَلَى تَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ اهـ.
(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ
ــ
[حاشية العدوي]
بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةَ كَانَ مُخَصَّصًا [قَوْلُهُ: فِيمَا جَاءَ بِهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ سُنَّتُهُ فَهُوَ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ وَالتَّقْدِيرُ وَمُوَافَقَتُهَا إتْبَاعَهُ فِيهَا أَيْ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا وَمَعْنَى مَا جَاءَ بِهِ أَيْ صَرِيحًا وَإِلَّا فَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ اتِّبَاعٌ لَهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ ضِمْنًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَى أَيْدِيهِمْ إنَّمَا اسْتَنْبَطُوهَا مِمَّا جَاءَ بِهِ صَرِيحًا، فَلَوْ أُرِيدَ بِمَا جَاءَ بِهِ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا لَمَا اُحْتِيجَ إلَى قَوْلِهِ، وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ، إلَّا أَنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ لَمَّا ظَهَرَتْ عَلَى أَيْدِيهِمْ نُسِبَتْ لَهُمْ.
[قَوْلُهُ: وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ] قَدْ ظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ. [قَوْلُهُ: قَالَ تَعَالَى إلَخْ] دَلِيلٌ لِلْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَلِيلٌ لِلثَّانِي، إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ أَعَمُّ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ إلَخْ] تَمَامُهُ «الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّوَاجِذُ قِيلَ الْأَضْرَاسُ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ.
[قَوْلُهُ: وَالْعَمَلَ] يُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ النِّيَّةَ. [قَوْلُهُ: فَمَا وَافَقَهَا] أَيْ فَأَيُّ شَيْءٍ مِنْ الْعَمَلِ وَافَقَهَا فَهُوَ الْمَطْلُوبُ. [قَوْلُهُ: أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا] أَيْ وَهُوَ الْمَكْرُوهُ وَخِلَافُ الْأَوْلَى.
[قَوْلُهُ: بِذَنْبٍ] قَالَ عج بِذَنْبٍ أَيْ ذَنْبٍ يَبْقَى مَعَهُ الْإِيمَانُ فَالذَّنْبُ الْمُخِلُّ بِالْإِيمَانِ يَكْفُرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ أَيْ كَرَمْيِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ وَكَمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ، وَأَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ فَلَا يَكْفُرُ إلَّا أَنَّهُ عَاصٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْإِسْلَامِ] صَلَّى أَوْ لَمْ يُصَلِّ [قَوْلُهُ: سَلَفًا وَخَلَفًا] اُعْتُرِضَ بِأَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ وَابْنَ عَبْدَ الْحَكَمِ وَغَيْرَهُمَا يَقُولُونَ بِتَكْفِيرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ عَمْدًا أَوْ تَفْرِيطًا وَكَذَا الزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ نَقَلَهُ تت، وَالشَّارِحُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: لِلْخَوَارِجِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَمِنْهُمْ أَيْ وَمِنْ الْمُبْتَدَعَةِ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَنْ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَيُنْكِرُونَ أَمْرَهُ وَوِلَايَتَهُ وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِذَلِكَ الْخَارِجُونَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمَا - اهـ.
[قَوْلُهُ: كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرَةٌ] أَيْ فَيَقُولُونَ إنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ كَافِرٌ، وَإِنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤] وَغَيْرِهَا.
وَالْجَوَابُ أَنَّهَا مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ لِلنُّصُوصِ الْقَاطِعَةِ عَلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ بِكَافِرٍ [قَوْلُهُ: وَخِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ] سَبَبُ تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِكَ أَنَّ رَئِيسَهُمْ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ، اعْتَزَلَ مَجْلِسَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ يَقُولُ إنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ وَيُثْبِتُ الْمَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، فَقَالَ الْحَسَنُ اعْتَزَلَنَا وَاصِلٌ فَسُمُّوا مُعْتَزِلَةً وَهُمْ سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ أَصْحَابَ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ لِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ ثَوَابِ الْمُطِيعِ وَعِقَابِ الْعَاصِي عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَفْيِ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ.
[قَوْلُهُ: وَهَذَا بِنَاءً مِنْهُمْ إلَخْ] أَيْ وَقَدْ تَقَرَّرَ بُطْلَانُهُ وَلَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَالْعَقْلُ لَا يُوجِبُ إحْبَاطَ خِدْمَةِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ مِائَةَ سَنَةٍ بِزَلَّةٍ وَاحِدَةٍ، فِي الشَّاهِدِ فَكَذَلِكَ فِي الْغَائِبِ وَلِأَنَّ الذَّنْبَ لَوْ كَانَ الْإِصْرَارُ عَلَيْهِ مُحْبِطًا لِلطَّاعَاتِ لَوَجَبَ أَنْ لَا تَصِحَّ مَعَهُ طَاعَةٌ كَالرِّدَّةِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْمِلَّةِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ وَشَارِبَ الْخَمْرِ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ وَحَجُّهُ وَيُتَرَحَّمُ