يَأْتِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ ذَلِكَ لِعَطْفِهِ عَلَى مَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ آمَنَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ وَعَمِلَ بِجَوَارِحِهِ وَلَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ الْإِيمَانَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِبَيَانِ أَرْبَعَةِ فَوَائِدَ، أَشَارَ إلَى أَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ (يَزِيدُ) أَيْ الْإِيمَانُ مِنْ حَيْثُ هُوَ (بِ) سَبَبِ (زِيَادَةِ الْأَعْمَالِ وَيَنْقُصُ بِ) سَبَبِ (نَقْصِ الْأَعْمَالِ فَيَكُونُ فِيهَا) أَيْ الْأَعْمَالِ (النَّقْصُ وَبِهَا الزِّيَادَةُ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ بِاعْتِبَارِ الثَّمَرَاتِ هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا وَهُوَ آخِرُ قَوْلِ مَالِكٍ، وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ: يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ،
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْتَقِدْ إلَخْ] وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهَا إيمَانٌ وَعِبَارَتُهُ تُصَدَّقُ بِهِ قَالَهُ عج.
[قَوْلُهُ: إنَّهُ مُؤْمِنٌ] أَيْ مُؤْمِنٌ كَامِلٌ لَمْ يَرْتَكِبْ إثْمًا [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً] أَوْ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِبَيَانِ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ، فَإِنْ قُلْت لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ تَوْطِئَةً؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْفَوَائِدِ الْأَرْبَعَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ، قُلْت لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ بَيَانَ الْفَوَائِدِ الْأَرْبَعَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا، بَلْ بَيَانُهَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَاءَ الْإِيمَانِ، فَمَعْنَى الْفَائِدَةِ الْأُولَى يَزِيدُ الْإِيمَانُ بِزِيَادَةِ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَجْزَائِهِ، وَمَعْنَى الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَكْمُلُ قَوْلُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَجْزَائِهِ إلَّا بِالْعَمَلِ الَّذِي هُوَ جُزْؤُهُ الْآخَرُ، وَمَعْنَى الثَّالِثَةِ لَا يَكْمُلُ قَوْلٌ وَلَا عَمَلَ اللَّذَانِ هُمَا أَجْزَاءُ الْإِيمَانِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَكَذَا يُقَالُ: فِي الْأَخِيرَةِ بِاعْتِبَارِهِمَا فَتَدَبَّرْ [قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ هُوَ] أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي إيمَانِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ إيمَانَ الْأَنْبِيَاءِ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَإِيمَانُ الْمَلَائِكَةِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ.
[قَوْلُهُ: بِسَبَبِ زِيَادَةِ الْأَعْمَالِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعِبَارَةَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ وَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ، وَيُصَرِّحُ هَكَذَا فَيَقُولُ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ إلَخْ، وَبَعْدَ هَذَا الْمَلْحَظُ تَكُونُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَهُ وَأَنَّ الْعِبَارَةَ لَيْسَتْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَقَوْلُهُ نَقْصُ الْأَعْمَالِ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ ارْتَكَبَهُ إيضَاحًا لِلْمُبْتَدِئِ، لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْإِيمَانِ الْكَامِلِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ سَبَبِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ فَيَكُونُ السَّبَبُ وَهُوَ زِيَادَةُ الْأَعْمَالِ دَاخِلًا فِي الْمَاهِيَّةِ لَا خَارِجًا أَيْ مَاهِيَّةِ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ.
[قَوْلُهُ: فَيَكُونُ فِيهَا النَّقْصُ] يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَأَنْ تَكُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنَقْصِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الْأَعْمَالُ الْمَنْدُوبَةُ لَا الْوَاجِبَةُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اخْتَلَّ شَيْءٌ مِنْهَا انْتَفَى كَوْنُهُ إيمَانًا كَامِلًا بَلْ وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا أَصْلًا عِنْدَ الْمُعْتَزِلِيِّ.
[قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ الثَّمَرَاتِ] أَرَادَ بِهَا الْأَعْمَالَ وَصَرَّحَ بِهِ تت، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُرَادُهُ بِالْإِيمَانِ التَّصْدِيقَ فَقَطْ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ الثَّمَرَاتِ الَّتِي هِيَ الْأَعْمَالُ، فَفِي الْعِبَارَةِ مُخَالَفَةٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ الَّذِي الْأَعْمَالُ جُزْءٌ مِنْهُ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ ثَمَرَةٌ بِاعْتِبَارِهِ.
[قَوْلُهُ: وَكَانَ أَوَّلًا] أَيْ كَانَ فِي بَدْءِ أَمْرِهِ يَقُولُ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَآخِرِ أَمْرِهِ وَافَقَ السَّلَفَ فِي الْقَبُولِ لِلنَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْقَسْطَلَّانِيِّ، وَصَرَّحَ بِهِ تت، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك بَعْدَ مَا قَرَّرْنَاهُ لَك مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ، أَنَّ مَا قَالَهُ مَالِكٌ مُشْكِلٌ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَنَصُّهُ، وَأَمَّا تَوَقُّفُ مَالِكٍ عَنْ الْقَوْلِ بِنُقْصَانِهِ فَخَشْيَةَ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْخَوَارِجِ اهـ.
الْمُرَادُ مِنْهُ إذْ ذَهَبَتْ الْخَوَارِجُ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الطَّاعَاتُ بِأَسْرِهَا فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، وَيُكَفِّرُونَ أَهْلَ الْمَعَاصِي مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالذُّنُوبِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ تَحَاشِيَهُ لِلْإِطْلَاقِ الشَّرْعِيِّ، كَمَا أَفَادَهُ تت لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} [الفتح: ٤] {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: ١٣] وَلَمْ يَرِدْ نَقْصُهُ، الْقَوْلُ الثَّالِثُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَهُوَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى قَبِلَ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ كَانَ شَكًّا وَكُفْرًا قَالَ تت، وَأَرَادَ الْأَوَّلُونَ أَنَّ الْمُرَادَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ بِاعْتِبَارِ زِيَادَةِ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ، وَهِيَ الْأَعْمَالُ، وَنُقْصَانُهَا لَا نَفْسَ التَّصْدِيقِ اهـ.
وَاَلَّذِي يَتَّضِحُ لَنَا مِنْ تَقْرِيرِهِمْ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ وَأَنَّ مَنْ يَقُولُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ إنَّمَا أَرَادَ فِي