للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ أُنَاسٌ دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: أَمَا شَعَرْت مَا عَمِلُوا بَعْدَك؟ وَاَللَّهِ مَا بَرِحُوا بَعْدَك يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِك أَنَّ الْحَوْضَ عَلَى وَجْهِ هَذِهِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا يَكُونُ وُجُودُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَالْفِضَّةِ لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ وَلَمْ يُظْلَمْ عَلَى ظَهْرِهَا أَحَدٌ قَطُّ» ".

(فَائِدَةٌ) فِي التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا: «إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَإِنَّهُمْ لَيَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً» .

وَقَدْ اتَّفَقَ الشُّيُوخُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ (وَأَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَإِخْلَاصٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ) لَمْ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: مِنِّي إلَخْ] مِنْ الْأُولَى اتِّصَالِيَّةٌ أَيْ هُمْ مُتَّصِلُونَ بِي، وَالثَّانِيَةُ تَبْعِيضِيَّةٌ، أَيْ بَعْضُ أُمَّتِي وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَأَنَّهُمْ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى مِنِّي أَيْ أَتْبَاعِي فَيَكُونُ عَيْنَ مَا بَعْدَهُ، فَإِنْ قُلْت: قَوْلُهُ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، كَيْفَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمْ إنْ ارْتَدُّوا فَقَدْ خَرَجُوا مِنْ أُمَّتِي بِارْتِدَادِهِمْ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَوَضَّأَ يُحْشَرُ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَيَظُنُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ لِوُجُودِ الْغُرَّةِ فِيهِمْ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْمُنَافِقَ وَالْمُرْتَدَّ يُحْشَرَانِ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَيَظُنُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ، وَلَا بُعْدَ فِي حَشْرِهِمْ بِالْغُرَّةِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ تَزُولُ عَنْهُمْ بَعْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْوُرُودِ نَكَالًا بِهِمْ وَمَكْرًا بِهِمْ لِيَزْدَادُوا حَسْرَةً اهـ.

[قَوْلُهُ: أَمَا شَعَرْت] مِنْ بَابِ قَعَدَ أَيْ عَلِمْت كَمَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ.

[قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ مَا بَرِحُوا بَعْدَك] أَيْ مَا زَالُوا بَعْدَك يَرْجِعُونَ، فَقَوْلُهُ يَرْجِعُونَ خَبَرُ بَرِحَ اسْتَشْكَلَ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ وَمَمَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ فَمَا كَانَ مِنْ حَسَنٍ حَمِدْت اللَّهَ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ مِنْ سَيِّئٍ اسْتَغْفَرْت اللَّهَ لَكُمْ» وَمَعَ مَا رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إلَّا وَتُعْرَضُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْمَالُ أُمَّتِهِ غُدْوَةً وَعَشِيًّا فَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَأَعْمَالِهِمْ اهـ.

[قَوْلُهُ: يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ] أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إلَى السَّيِّئَةِ أَوْ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَى الْكُفْرِ كَذَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ، أَقُولُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النُّكْتَةَ فِي التَّعْبِيرِ الْمَذْكُورِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ كَانَتْ مُسْتَمِرَّةً فِيهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنْ هَذَا لَا يَشْمَلُ الْمُنَافِقَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِك إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْخُطُورَ بِالْبَالِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ طَلَبٌ وَلَا تَكْلِيفٌ، فَأَرَادَ بِهِ لَا تَعْتَقِدُ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِتِلْكَ الْعِبَارَةِ مُبَالَغَةً فِي التَّنْفِيرِ.

قَالَ اللَّقَانِيُّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي وُجُودِهِ الْيَوْمَ أَوْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا عَلَى مَنْ قَطَعَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. نَعَمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْكَوْثَرُ فَهُوَ مَوْجُودٌ الْيَوْمَ وَالْكَوْثَرُ فِي الْجَنَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ.

وَقَالَ أَيْضًا وَلَمْ أَقِفْ إلَى الْآنَ عَلَى أَنَّ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ يَشْرَبُونَ مِنْ الْحَوْضِ.

[قَوْلُهُ: وَإِنَّهُمْ لَيَتَبَاهَوْنَ] أَيْ يَفْتَخِرُونَ يُحْتَمَلُ بِالْمَقَالِ وَالْحَالِ أَوْ بِالْحَالِ فَقَطْ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَقَوْلُهُ أَيُّهُمْ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ، وَأَنَّهُمْ لَيَتَبَاهَوْنَ بِمَدْلُولِ جَوَابِ أَيِّهِمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، ثُمَّ هَذَا مُشْكِلٌ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ مُحَمَّدًا أَكْثَرَ أُمَّةً وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَكَيْفَ يُعَبِّرُ بِأَرْجُو؟

وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْأَدَبِ اللَّائِقِ بِجَلَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَوْلُهُ: وَارِدَةً] أَيْ جَمَاعَةً وَارِدَةً كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ.

خَاتِمَةٌ فِي جُمْلَةِ مَا قِيلَ فِي وَصْفِهِ قِيلَ مَسِيرَتُهُ شَهْرٌ، وَقِيلَ شَهْرَانِ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ، وَعَرْضُهُ وَطُولُهُ سَوَاءٌ، حَافَتَاهُ الزَّبَرْجَدُ آنِيَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ، لَهُ مِيزَابَانِ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَلْيَنُ مِنْ الزُّبْدِ وَأَبْرَدُ مِنْ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ.

[قَوْلُهُ: قَوْلٌ بِاللِّسَانِ] لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ بِاللِّسَانِ تَأْكِيدٌ وَكَذَا قَوْلُهُ بِالْقَلْبِ وَأَرَادَ بِالْإِخْلَاصِ التَّصْدِيقَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ بِالْجَوَارِحِ فَهُوَ تَأْسِيسٌ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ قَدْ يَكُونُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ وَقَدْ يَكُونُ بِالْبَدَنِ فَقَطْ وَقَدْ يَكُونُ بِهِمَا كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>