للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّصْدِيقُ (بِ) وُجُودِ (حَوْضِ رَسُولِ اللَّهِ) نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرِدُهُ) أَيْ تَأْتِيهِ (أُمَّتُهُ) أَيْ أَتْبَاعُهُ حِينَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ عِطَاشًا يَشْرَبُونَ مِنْهُ (لَا يَظْمَأُ) أَيْ لَا يَعْطَشُ (مَنْ شَرِبَ مِنْهُ أَبَدًا وَيُذَادُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ يُطْرَدُ وَيُبْعَدُ عَنْهُ (مَنْ بَدَّلَ) بِالِارْتِدَادِ (وَغَيَّرَ) فِي الْعَقَائِدِ كَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَوْ بِالْمَعَاصِي لَكِنَّ الْمُبَدِّلَ بِالِارْتِدَادِ يَخْلُدُ فِي النَّارِ، وَالْمُبَدِّلَ بِالْمَعَاصِي فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِ مُرَادُهُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنِّي عَلَى

ــ

[حاشية العدوي]

يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ فَمَنْ جَحَدَهُ يُبَدَّعُ وَيُفَسَّقُ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْكُفْرَ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ.

[قَوْلُهُ: بِوُجُودِ حَوْضِ رَسُولِ اللَّهِ] هُوَ جِسْمٌ مَخْصُوصٌ يَصُبُّ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنْ الْجَنَّةِ وَالْأَمِينُ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحَوْضَ خَاصٌّ بِنَبِيِّنَا، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَانِيهَا: لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضٌ ثَالِثُهَا لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضٌ إلَّا صَالِحًا فَحَوْضُهُ ضَرْعُ نَاقَتِهِ.

قَالَ عج فَإِنْ قِيلَ: الْقَوْلُ بِالْخُصُوصِ يَرُدُّهُ مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَأَنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً إلَخْ، أُجِيبُ بِأَنَّ أَبَا عِيسَى قَالَ فِيهِ أَنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

[قَوْلُهُ: أَيْ أَتْبَاعُهُ] أَيْ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الِاخْتِصَاصِ فَلَا تَرِدُهُ أُمَّةٌ غَيْرُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ اللَّقَانِيِّ، قُلْت الْأَحَادِيثُ طَافِحَةُ الظَّوَاهِرِ بِأَنَّهُ لَا يَرِدُهُ غَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ اهـ.

أَيْ فَيَشْرَبُ مِنْهُ مَنْ كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ بِالنَّارِ، وَحِينَئِذٍ يُعَذَّبُ فِيهَا بِغَيْرِ الْعَطَشِ، كَمَا أَفَادَهُ تت [قَوْلُهُ: حِينَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ وُرُودَهُ قَبْلَ الْمِيزَانِ وَالْحِسَابِ وَالصِّرَاطِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا قَالَ عج، وَقِيلَ إنَّ الْمِيزَانَ قَبْلَ الْحَوْضِ وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ، عَلَى أَنَّ الْحَوْضَ قَبْلَ الصِّرَاطِ وَقِيلَ: إنَّهُ بَعْدَهُ وَقِيلَ لَهُ حَوْضَانِ حَوْضٌ قَبْلَهُ وَحَوْضٌ بَعْدَهُ.

تَتِمَّةٌ أَوَّلُ مَا يَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ.

[قَوْلُهُ: عِطَاشًا] بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ عَطْشَانَ لِلْمُذَكَّرِ وَعَطْشَى لِلْمُؤَنَّثِ، كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْعَطَشِ، وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْعَطَشَ ثَابِتٌ لِلْكُلِّ لَا يُسْتَثْنَى أَحَدٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ.

[قَوْلُهُ: لَا يَعْطَشُ إلَخْ] ؛ لِأَنَّ شَرَابَ الْجَنَّةِ وَكَذَا أَكْلُهَا إنَّمَا هُوَ تَلَذُّذٌ صِرْفٌ وَشَهْوَةٌ لَا عَنْ جُوعٍ وَعَطَشٍ وَلَا نَوْمَ فِيهَا، وَلَا بَوْلَ وَلَا غَائِطَ وَإِنَّمَا رَشْحُهُمْ الْمِسْكُ كَمَا أَفَادَهُ تت [قَوْلُهُ: وَيَبْعُدُ] عَطْفُ مُرَادِفٍ [قَوْلُهُ: بِالِارْتِدَادِ] الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بَدَّلَ دِينَهُ بِسَبَبِ ارْتِدَادِهِ فَارْتَدَّ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُؤْمِنًا [قَوْلُهُ: وَغَيَّرَ فِي الْعَقَائِدِ إلَخْ] قَدْ حَمَلَ الشَّارِحُ كَمَا رَأَيْت التَّبْدِيلَ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَالتَّغْيِيرَ عَلَى الْمُبْتَدِعِ وَهُوَ قَوْلٌ حَكَاهُ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ مُصَدِّرًا بِأَنَّ التَّبْدِيلَ وَالتَّغْيِيرَ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُفْرُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَغَيَّرَ بِمَعْنَى أَوْ.

[قَوْلُهُ: كَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ] أَيْ كَالْقَدَرِيِّ وَالْجَبْرِيِّ وَالرَّافِضِيِّ وَإِنْ غُفِرَ لَهُمْ إذَا كَانَتْ عَقِيدَتُهُمْ غَيْرَ مُكَفِّرَةٍ كَمَا فِي عج لِعِظَمِ جُرْمِهِمْ، وَأَوْلَى إذَا كَانَتْ مُكَفِّرَةً كَمُنْكَرِي عِلْمِهِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ بِالْمَعَاصِي] مَعْطُوفٌ عَلَى فِي الْعَقَائِدِ، أَيْ الْمَعَاصِي بِالْكَبَائِرِ أَيْ إنْ لَمْ يَعْفُ عَنْهُمْ وَإِلَّا شَرِبُوا مِنْهُ، هَذَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيُّ وَكَلَامُ شَارِحِ الْعَقِيدَةِ يُفِيدُ الْقَوْلَ الْآخَرَ وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ لَا يُذَادُونَ وَإِنْ دَخَلُوا النَّارَ أَيْ وَيُعَذَّبُونَ فِيهَا بِدُونِ الْعَطَشِ، وَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّ الْمَطْرُودَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالظَّلَمَةِ الْمُسْرِفُونَ فِي الْجَوْرِ وَالْمُعْلِنُونَ بِالْكَبَائِرِ، أَقُولُ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَلَبَّسَ بِالْكَبِيرَةِ مِنْ غَيْرِ إعْلَانٍ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَلَا مِنْ الظَّلَمَةِ إنَّهُ لَا يُذَادُ.

[قَوْلُهُ: وَالْمُبَدِّلُ بِالْمَعَاصِي فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ] وَسَكَتَ عَنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ تَارَةً تُكَفِّرُهُمْ بِدْعَتُهُمْ فَيُخَلَّدُونَ وَتَارَةً لَا، فَهُمْ فِي الْمَشِيئَةِ، وَمَعْنَى الْمَشِيئَةِ أَيْ إنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ النَّارَ وَإِنْ شَاءَ سَامَحَهُ.

[قَوْلُهُ: حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِ مُرَادُهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِرَادَةَ هِيَ نَفْسُ الْمَشِيئَةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَالْمُبَدِّلُ بِالْمَعَاصِي فِي الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِ الْمَشِيءُ أَيْ الْمُرَادُ، وَلَا صِحَّةَ لَهُ فَالْمُنَاسِبُ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ إنْ شَاءَ عَاقَبَهُ حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِ مُرَادُهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>