وَالْمَكْرُوهُ: مَا يُؤَدِّي إلَى أَسْلِفْنِي وَأُسَلِّفْك، مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ بِدَنَانِيرَ فَيُنْكِرَهُ صَاحِبُهُ، فَيَصْطَلِحَانِ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِمَا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ.
وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ: الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي الصُّلْحِ عَلَى الْقَذْفِ وَسَيَأْتِي.
[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُصَالِحِ وَالْمُصَالَحِ أَهْلِيَّةُ الْمُعَامَلَةِ]
وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ غَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَمْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُصَالِحَ رَجُلٌ رَجُلًا عَنْ دَيْنٍ وَعَلَى رَجُلٍ آخَرُ وَيَلْزَمُ الْمُصَالِحُ مَا صَالَحَ بِهِ
فَرْعٌ: وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَعَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ الْيَمِينِ وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا.
فَرْعٌ: فَلَوْ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بَعْدَ ذَلِكَ نُقِضَ الصُّلْحُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ غَلَبَةً، فَلَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الطَّالِبُ فَلَهُ نَقْضُ الصُّلْحِ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي الِاسْتِعْلَامِ وَالْبَحْثِ.
فَرْعٌ: وَاخْتُلِفَ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْقَذْفِ فَمَنَعَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَجَازَهُ سَحْنُونٌ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: الْحُدُودُ الَّتِي لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهَا هِيَ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ الْعَفْوُ كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا، وَمَا جَازَ فِيهِ الْعَفْوُ جَازَ فِيهِ الصُّلْحُ.
فَرْعٌ: وَصُلْحُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ عَمَّنْ فِي حِجْرِهِمَا جَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْقِطَ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ النَّظَرِ، وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ فِي الْأَبِ يُصَالِحُ عَنْ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ بِبَعْضِ حَقِّهَا مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَحَقُّهَا بَيِّنٌ لَا خِصَامَ فِيهِ، أَنَّ صُلْحَهُ غَيْرُ جَائِزٍ إذْ لَا نَظَرَ فِيهِ، وَتَرْجِعُ الِابْنَةُ بِبَقِيَّتِهِ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَ لَهُ بِمَا يُدْرِكُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ دَرَكٍ، وَلَوْ كَانَ عَدِيمًا طَالَبَتْ أَبَاهَا بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute