اقتضاء جازما لا تخيير فيه؛ حيث إن تاركه يعاقب، بخلاف
المندوب، فإن فيه نوع تخيير، وهو: إن شاء المكلَّف فعل المندوب
وله ثواب، وإن شاء ترك ولا عقاب عليه، ولو كان المندوب مأموراً
به حقيقة لما وقع التخيير فيه، فثبت أن المندوب ليس مأموراً به حقيقة
لثبوت التخيير فيه.
جوابه:
يجاب عنه بجوابين:
الجواب الأول: لا نُسَلِّمُ أن الأمر ليس فيه تخيير، بل يقع
التخيير فيه بدليل " الواجب الموسَّع "، حيث خيَّر الشارع المكلَّف
بين أن يوقع الفعل في أول الوقت، أو وسطه، أو آخره، وبدليل
"الواجب المخيَّر "، حيث خيَّر الشارع المكلَّف بين أن يفعل إحدى
خصال الكفارة.
الجواب الثاني: سلمنا لكم قولكم: " إن الأمر لا تخيير فيه "،
ولكن لا نُسَلِّمُ أن المندوب فيه تخيير؛ لأن فعل المندوب أرجح من
تركه.
أما التخيير فهو عبارة عن كون فعل الشيء وتركه سواء لا يرجح
أحدهما على الآخر كالفعل والترك بالنسبة للمباح، فثبت أن المندوب
لا تخيير فيه، فشارك الواجب في عدم التخيير، فثبتت مشاركته في
كونه مأموراً به حقيقة، فنتج: أن المندوب مأمور به حقيقة.
الدليل الرابع: لو كان المندوب مأموراً به لسمى تاركه عاصيا،
ولجاز أن يقال لمن ترك قيام الليل، وصيام التطوع، وصلاة النفل،
وصدقات التطوع، وإماطة الأذى عن الطريق: " عصيت أمر اللَّه "،