للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حيث إن اللَّه تعالى توعَّد من يخالف أمره بالعقاب، ولكن يجوز

صرف هذا الأمر من الوجوب إلى الندب بصارف، فإذا صرف الأمر

من كونه يقتضي الوجوب إلى كونه يقتضى الندب، فإن ذلك لا

يخرج الأمر عن تسميته أمراً، فثبت: أن الأمر يطلق على المندوب

حقيقة كالواجب بدليل: اشتراكهما في التسمية.

الدليل الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ".

وجه الدلالة: أن " لولا " تفيد انتفاء شىء لوجود غيره، والمراد

هنا: انتفاء الأمر لوجود المشقة.

فلو كان المندوب مأموراً به حقيقة، لكان السواك مأموراً به،

ولكن الصادق المصدوق نفى الأمر عن السواك من أجل المشقة التي

ستلحق الأمة لو أمر به، والمشقة لا تلحق إلا فيما يجب فعله،

فثبت أن المندوب غير مأمور به حقيقة.

جوابه:

يقال في الجواب عنه: إن المنفي هنا هو الأمر الجازم الذي يقتضي

الوجوب، ويكون تقدير الكلام: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم

أمر إيجاب وإلزام "، بدليل: أنه امتنع منه لأجل المشقة، والمشقة

إنما تلحق فيما يلزم فعله.

وإذا ثبت أن المنفي هو الأمر الجازم: ثبت أن الأمر غير الجازم لم

ينفه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو الدال على المندوب، فنتج من ذلك: أن المندوب مأمور به حقيقة بقطع النظر عن كونه جازماً أو غير جازم.

الدليل الثالث: أنه يفهم من صيغة الأمر أنها تقتضي إيقاع الفعل