وقد تبين أن الناس في هذا المقام على درجات، وكل من كان إلى الفطرة العقلية والشريعة النبوية أقرب، كانت طريقته أقوم، فالمستدل بأن الموجود على سبيل الجواز، وهو الموجود الممكن، لا يكون بالوجود أولى منه بالعدم إلا بالفاعل، وأن ما حدث مع جواز أن لا يحدث لم يكن بالحدوث أولى من أن لا يحدث، لولا شيء اقتضى حدوثه، كما سلك ذلك كثير من أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية، ومن وافقهم من الفقهاء أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم - خير من المستدل بأن الموجود الممكن مطلقاً لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح، وهذا المستدل بأن الممكن لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح خير من المستدل بأنه لا يترجح وجوده على عدمه، ولا عدمه على وجوده إلا بمرجح، كما سلك ابن سينا وأتباعه، كالسهروردي والرازي والآمدي وغيرهم مع تناقض هؤلاء، حيث قالوا في موضع آخر: إن العدم المستمر لا يحتاج إلى سبب، كما قاله نظار المسلمين من جميع الطوائف.
ثم الذين استدلوا بذلك، ولم يحتاجوا إلى قطع التسلسل، كما فعل الجمهور، أقرب من الذين احتاجوا إلى قطع التسلسل، كما فعل ابن سينا ونحوه.