على أنه لا بد لسائر الأفعال الحاضرة والغائبة من فاعل فعلها، ومدبر دبرها؟ وكيف وجه تعلق الإنسان وغيره من المصنوعات، بفاعل ومدبر صنعه وقصده، متى لم يكن هو الفاعل لنفسه؟ قيل له: قد تقدم من كلام صاحب الكتاب ما هو دلالة على ذلك، وقد مضى شرحنا له، حيث قلنا: إن تعلق الفعل بالفاعل، كتعلق الفاعل في كونه فاعلاً بفعله.
ثم نقول في الدليل على ذلك: إنه لا يسوغ أن يجيب عن هذه المسألة إلا من سلم لنا هذه الأمور - التي هي التأليفات والتصويرات والتركيبات - معان محدثات، وإن كان لا يقر بأنها أفعال، كلم في أصل هذه المسألة، وقرر معه القول بوجوب حدوثها، فإذا كان الأمر على ما وصفناه، لم يكن لأحد أن يسأل عن هذه المسألة.
وقد يخالف في أن هذه الأمور التي ذكرناها أفعال، لأنه إذا قال: ما الدليل على أن هذه الأفعال تتعلق بفاعل؟ فقد أثبتها أفعالاً، فإذا أنكر أن تكون أفعالاً، فقد أبطل بآخر كلامه ما أثبته بأوله، ولكن قد يسوغ أن يقول: ما الدليل على أن التأليف يتعلق بمؤلف؟ وإن لم يسلم أنه فعل، لشبهة تدخل عليه.