قال القاضي أبو بكر:(أعلم أنه إنما ضرب المثل بما ذكره من القطن واللبن لظهوره في نفوس العامة والخاصة، واعتقاد جميعهم لجهل من جوز تنضد البنيان، واجتماع الآجر والتراب، وتصوير المصنوعات بغير صانع ولا مدبر، وأنت لو اعترضت كل من سلمت حاسته، وصح عقله، فسألته: هل يجوز وجود ما ذكره من ضروب المحكمات بغير صانع، مع العلم بأنها لم تكن كذلك من قبل؟ لمنع ذلك ولاستجهل قائله، لتقدم الأدلة وتقررها على فساده، في نفوس العامة والخاصة، وإن كانت العامة تقصر عبارتها عن عبارة الخاصة، وألفاظ المتكلمين، وطريق المستنبطين في التعبير، وقولهم: لم تجد كتابة إلا من كاتب، ولا ضرباً إلا من ضارب، ولا بناءً إلا من بان، وإن استحالة وجود ضرب من لا ضارب، وبناء من لا بان، كاستحالة ضارب لا ضرب له، وبان لا بناء له، وقد تقرر هذا المعنى في نفوسهم، وإن قصروا عن تأديته، وصار مقارناً للعلوم الضرورية، وصار المخالف فيه عند سائرهم كالمخالف فيما يدرك من جهة الحواس) .
قال: (وجملة القول في هذا الباب أنا لا ندعي، ولا صاحب