وكان بحلب إنسان ظريف من ظرفاء المصريين، يقال له أبو عبد الله المصري الصوفي، وكان له اجتماع بالشرف إبن الحصين /٩٦ أ/ ويعرّض بمثالبه، فبلغه ذلك عنه، فأسرّه في نفسه إلى أن مات ابن الحصين فقطع معلومه الخانقاه، وبقي هذا المصري كذلك، إلى أن جرى لابن أبي يعلى ما جرى من خروجه من حلب، فخرج أبو عبد الله المصري، إلى ظاهر باب العراق، ووقف له حتى خرج سائراً من حلب، فتقدّم إليه وخدمه وقال له: في أمان الله، فجرى على إن أبي يعلى من ذلك شيء عظيم.
وحدثني الصاحب أبو البركات المستوفي –رحمه الله- في تاريخ إربل من تأليفه؛ قال: كان إبن أبي يعلي مقيماً بالموصل مطّرحاً، فسافر إلى بغداد، فقيل إنه أراد ولاية المخزن الشريف الإمامي الناصري، فلم يجب إليها، فرحل إلى الشام، وأقام بحلب، وصار من أعيانها، متولي النظر في ديوانها، فلم تكن له الحظوة، حياة أبي المؤيد محمد ين الحسين الطغرائي، إلى أن توفي –رحمه الله تعالى- فتقدم عند الملك الظاهر مدّة حياته، فلما توفي لم يستقم له بعده أمر فورد إربل /٩٦ ب/ فتلقاه السلطان مفر الدين، بضروب الإكرام وصنوف الإنعام مدّة مقامه بإربل، ثم سافر إلى بلد الروم فتوفي به.
وحدثني أيضاً؛ قال: كتب إلى ابن أبي يعلى بخطّه لغزاً وضعه في صفة بيضة في شعبان سنة أربع وستمائة بحلب المحروسة. وحدثني من حمله إلى عنه أنه قال: لم يقدر أحد على حلّه، فلما حللته تعجب من ذلك وهو:
"ما شيء من الحيوان وهو شبيه بالجمادات، نبطي الأصل والنجار، موجود في البلاد والأمطار، مكنون في الصدف، ليس بحيّ، ولا ميت وهذا من الظرف، وطبائعه مختلفة، والعقول بفضله معترفة، باطنه تبرٌ سائل، وهو في نوعه متفاضل، إذا شق لحاه غدا مفردا، وأضحى على العبادات منبّها ومسعدا".
وحدثني، قال: حدثني غير واحد عنه، أنه حدثه عنه، أنه رآني في المنام ليلة الاثنين من ذي الحجة من سنة ست عشرة وستمائة، كان بقلعة حلب في مجمع كثير من الخلق، وفي آخر المجلس شخص أسمر كثّ اللحية متكهل /٩٧ أ/ لابس ثوب فوط، وهو يتكلم ويدعو للملك الظاهر –رحمه الله- ثم رفع يديه إلى السناء، وأشار