(ب) المدينة: قال تعالى: "يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" (الآية ٨ من سورة المنافقون). قائل هذا عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وعني بالأعز نفسه ومن معه، وبالأذل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وأراد بالرجوع وجوعهم من غزوة بني المصطلق. ونسب القول إلى المنافقين، والقائل فرد منهم، لأنه كان رئيسهم وهم راضون بما يقول (قال) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة يرون أنها غزوة بني المصطفى، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار (أي ضرب دبره بيده أو برجله) فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوة الجاهلية؟ قالوا: رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة، فسمع ذلك عبد الله بن أبي فقال: أوقد فعلوها؟ والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فقام عمر فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، أخرجه الشيخان والترمذي وزاد: فقال له ابنه عبد الله: والله لا تنفلت حتى تقر أنك الذليل ورسول الله العزيز، ففعل (ص ٤٦٠ ج ٨ فتح الباري- سورة المنافقين). (جـ) الدار: قال تعالى: "والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم" (الآية ٩ من سورة الحشر). المراد بالدار المدينة، وهي دار الهجرة، والذين تبوأوها (أي سكنوها من قبل المهاجرين) هم الأنصار (يحبون) من كرمهم وشرف أنفسهم (من هاجر إليهم) ويواسونهم بأموالهم. قال أنس بن مالك: قال المهاجرون: يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أسحن بذلا في كثير، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. قال: لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم. أخرجه أحمد. قال ابن كثير: لم أره في الكتب من هذا الوجه. أنظر =