قالوا: إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم تكن حالهم وحالنا إلا مثل ما هي في الدنيا، وإلا لم يزيدوا علينا ولم يفضلونا، وأقصى أمرهم أن يساوونا، فقيل: أنخيف في الحكم فنجعل المسلمين كالكافرين؟ ثم قيل لهم على طريقة الالتفات:{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} هذا الحكم الأعوج؟ كان أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ} من السماء {تَدْرُسُونَ} في ذلك الكتاب أن ما تختارونه وتشتهونه لكم، كقوله تعالى {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ * فَاتُوا بِكِتَابِكُمْ}[الصافات: ١٥٦ - ١٥٧].
والأصل: تدرسون أن لكم ما تتخيرون، بفتح "أن" لأنه مدروس؛ فلما جاءت اللام كسرت. ويجوز أن تكون حكاية للمدروس، كما هو، كقوله:{وتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي العَالَمِينَ}. وتخير الشيء واختاره: أخذ خيره، ونحوه: تنخله وانتخله إذا أخذ منخوله.
لفلان على يمين بكذا: إذا ضمنته منه وحلفت له على الوفاء به، يعني: أم ضمنا منكم وأقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد.
قوله:(فلما جاءت اللام كسرت)، قال صاحب "الكشف": فلا يوهمنك كسر "إن" الوقف على ما قبلها والبداية بها، وهذا كقولهم: علمت: إن في الدار لزيدًا".
قوله:(ويجوز أن يكون حكاية للمدروس كما هو)، قال صاحب "التقريب": "وفيه نظر؛ إذ لفظ {فِيهِ} لا يساعده، يعني: يصح أن يقال: إن لكم كتابًا تدرسون فيه أن لكم ما تشتهونه.
يعني: مؤداه ومعناه مسطور فيه، ولا يجوز أن يراد: إن هذا اللفظ بعينه مكتوب؛ إذ لفظة {فِيهِ} زائدة". ويمكن أن يكون صورة المكتوب فيه: إن لكم ما تختارونه، وقد سطرناه لكم في هذا الكتاب.
قوله:(كما هو)، قيل: يجوز أن يكون نصبًا على الحال، و"ما" موصولة، و"هو" خبر مبتدأ محذوف، كأنه قيل: كالذي هو هو أو كافة، و"هو"في موضع الابتداء والخبر محذوف، أي: حكاه كما هو عليه، وأن يكون "كما هو" نصبًا على المصدر، أي: كحكايتها الآن.