للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل في عمل القلب: هو مما عملت يداك، وحتى قيل لمن لا يدي له: "يداك أو كتا وفوك نفخ"، وحتى لم يبق فرق بين قولك: هذا مما عملته، وهذا مما عملته يداك.

ومنه قوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِنَا} [يس: ٧١] و: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}. فإن قلت: فما معنى قوله: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للنعمة: يد؛ لما صارت معينةً للمعطي إعانة يده، وحتى صارت مستعارةً في الله تعالى.

قوله: (يداك أو كتا وفوك نفخ)، قال الميداني: قال المفضل: أصله أن رجلًا كان في جزيرة من جزائر البحر فأراد أن يعبر على زق قد نفخ فيه، فلم يحسن إحكامه، حتى إذا توسط البحر خرجت منه الريح فغرق، فلما غشيه الموت استغاث برجل، فقال له: يداك أو كتا. يضرب لمن يجني على نفسه الحين.

وقال المصنف في " المستقصى": أصله أن شابًا انتهى إلى جوار يستقين بالقرب، فكان يلاعبهن وينفخ في بعض القرب ثم يوكيه، فقتله بعض إخوانهن غيرة، فأخبر أخ المقتول بملاعنتهن، فقال ذلك، فضرب للجاني على نفسه.

قوله: (فما معنى قوله: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، الفاء للتسبيب، يعني إذا كان معنى: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} العمل وكونه مخلوقًا لله، فما وجه اختصاصه في هذا المقام؟ وخلاصة الجواب: أن ذلك الأمر كان ابتلاءً محضًا للملائكة وإبليس في أنهم هل يؤثرون النص على القياس أو يرجحون القياس؟ بدليل التمثيل بالوزير والملك، فالملائكة مع جلالتهم آثروا النص فامتثلوا لأمر الله تعظيمًا له وإجلالًا لخطابه، وإبليس مع ضعته آثر القياس، حيث قال: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} فقيل له على سبيل القول بالموجب: هب أنه كان مخلوقًا من تراب فهلا نظرت إلى أمري فسجدت ولم تنظر إلى تلك العلة فلم تمتنع؟ وإليه الإشارة بقوله: "لم تركته مع وجود هذه العلة"، فقوله: "من السجود" بيان"ما

<<  <  ج: ص:  >  >>