تركته"، يعني: ذكر لإبليس السجود مع تلك العلة ووبخه عليها في قوله: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} هذا تطويل وإخفاء للشمس بالطين لحب المذهب، فإنه تعالى علل إنكاره عليه بعدم السجود بهذه العلة التي تدل عل تكرمة المسجود له، بدليل قوله:{أَسْتَكْبَرْتَ} ثم إيراد اللعين ذلك القياس الفاسد حيث قال: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} فكيف يجعل قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} متضمنا لهذا، وقد جعل جوابًا للإنكار.
قال صاحب" الانتصاف": أطال الزمخشري فارًا من معتقدين:
أحدهما: أن اليدين من صفات الذات أثبتها السمع، هذا مذهب الشيخ أبي الحسن والقاضي، وأبطلا حمل اليدين على القدرة، بأن اليدين تثنية، وقدرة الله واحدة، وأبطلا الحمل على النعمة، فإن نعم الله لا تحصى. وأما غيرهما من أهل السنة كإمام الحرمين وغيه فاختار الحمل على النعمة والقدرة، أجاب عما ذكراه بنعمة الدنيا والآخرة، وبهذا يتحقق فضله على إبليس إذ لم يخلق لنعمة الآخرة، وقد يراد بالتثنية التعظيم.
والمعتقد الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الملك، والزمخشري شديد التعصب فيه، فلا جرم مثل قصة آدم في انحطاط رتبته ببعض سقاط الحشم مثالًا لآدم الذي هو عنصر الأنبياء، وأقام لإبليس عذره وصحح اعتقاده في أنه أفضل من آدم، وإنما غلطه من جهة أنه لم يجعل نفسه أسوة الملائكة مع علمهم بأن آدم عليه السلام ساقط المنزلة، والمراد ضد ما ذكره الزمخشري وهو: تعظيم معصية إبليس إذ لم يعظم من كرمه الله عليه وخلقه بيديه؛ وذلك تعظيم لا تحقير، وفي حديث الشفاعة يقولون: "أنت آدم خلقك الله بيديه وأسجد لك ملائكته" وذلك كله تعظيم آدم وخصائصه، وقلت: كذلك في محاجة موسى وآدم.