للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على وجه العبادة، فأما على وجه التكرمة والتبجيل فلا يأباه العقل، إلا أن يعرف الله فيه مفسدة فينهى عنه. فإن قلت: كيف استثني إبليس من الملائكة وهو من الجن؟ قلت: قد أمر بالسجود معهم فغلبوا عليه في قوله: {فَسَجَدَ المَلائِكَةُ}، ثم استثني كما يستثنى الواحد منهم استثناء متصلًا. {وكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} أريد: وجود كفره ذلك الوقت وإن لم يكن قبله كافرًا؛ لأن"كان" مطلق في جنس الأوقات الماضية في، فهو صالح لأيها شئت. ويجوز أن يراد: وكان من الكافرين في الأزمنة الماضية في علم الله.

[{قَالَ يَا إبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ العَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} ٧٥ - ٧٦]

فإن قلت: ما وجه قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}؟ قلت: قد سبق لنا أن ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيديه، فغلب العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما، حتى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (لأن"كان" مطلق في جنس الأوقات الماضية)، روى الزجاج عن أبي العباس أن"كان" لقوته على معنى المضي عبارة عن كل فعل ماض، ثم قال الزجاج: إن"كان" هو على باب سائر الأفعال؛ إلا أن فيه إخبارًا عن الحال قيما مضى، إذا قلت: كان زيد عالمًا، فقد أنبأت أن حاله فيما مضى من الدهر هذا، وإذا قلت: سيكون عالمًا، فقد أنبأت أن حاله سيقع فيما يستقبل، فهما عبارتان عن الأفعال والأحوال.

قوله: (فغلب العمل باليدين على سائر الأعمال)، الراغب: لما كانت اليد العاملة يختص بها الإنسان- وهي أعظم جارحة- نفعًا، بل عامة المنافع راجعة إليها حتى لو توهمناها مرتفعة ارتفع بها الصناعات التي بها قوام العالم كالبناء والحوك والصوغ والكتابة، صارت مستعارة في القوى جميعا والمنافع كلها، حتى قيل: فلان يد فلان، إذا قواه. وقيل

<<  <  ج: ص:  >  >>