للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[{إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (٧١) فَإذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إلاَّ إبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} ٧١ - ٧٤]

فإن قلت: كيف صح أن يقول لهم: {إنِّي خَالِقٌ بَشَرًا} وما عرفوا ما البشر ولا عهدوا به قبل؟ قلت: وجهه: أن يكون قد قال لهم: إني خالق خلقًا من صفته كيت وكيت، ولكنه حين حكاه اقتصر على الاسم. {فَإذَا سَوَّيْتُهُ}: فإذا أتممت خلقه وعدلته، {ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}: وأحييته وجعلته حساسًا متنفسًا {فَقَعُوا}: فخروا.

"كل": للإحاطة. و {أَجْمَعُونَ}: للاجتماع، فأفادا معًا أنهم سجدوا عن آخرهم ما بقي منهم ملك إلا سجد، وأنهم سجدوا جميعًا في وقت واحد غير متفرقين في أوقات.

فإن قلت: كيف ساغ السجود لغير الله؟ قلت: الذي يسوغ هو السجود لغير الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (فأفادا معًا أنهم سجدوا عن آخرهم … وأنهم سجدوا جميعًا في وقت واحد)، قال صاحب"الفرائد": يشكل ما ذكر بقوله حكايةً عن إبليس: {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: ٨٢]، ورأيت في بعض الحواشي عن الشيخ عبد القاهر: أن زعم من زعم أن {أَجْمَعِينَ} للاجتماع خطأ؛ لأنه صح أن يقال: ناظرت علماء الشرق أجمعين، ولم تكن المناظرة بالاجتماع في وقت واحد، ويمكن أن يقال: إذا كان {أَجْمَعُونَ} بدون الكل أفاد التأكيد المجرد، وهو أن لا يخرج أحد من الفعل، فلم يكن الاجتماع في وقت واحد، بل الاجتماع في الفعل، وإذا كان مع الكل، فالكل للإحاطة، والأجمعون للاجتماع في وقت واحد.

وبيانه: أن اللام في الملائكة للاستغراق دخلت على صيغة الجمع فتفيد الشمول، ثم أكد بقوله: {كُلُّهُمْ} لدفع توهم غير الشمول والإحاطة، فأردف بقوله: {أَجْمَعُونَ} ولا بد له من فائدة زائدة، وحاصله أن سبيل {أَجْمَعُونَ} سبيل المظهر إذا وضع موضع المضمر، لاسيما دلالة الفاء الفصيحة في قوله: {فَسَجَدَ المَلائِكَةُ} على ما سبق، على أن مطلق الأمر في هذا المقام لا يفيد إلا الفور.

<<  <  ج: ص:  >  >>