وقرئ:(تَذَكَّرُونَ) من ذكر. {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ} أي: حجة نزلت عليكم من السماء وخبر بأن الملائكة بنات الله، {فَاتُوا بِكِتَابِكُمْ} الذي أنزل عليكم في ذلك، كقوله:{أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}[الروم: ٣٥]، وهذه الآيات صادرة عن سخط عظيم، وإنكار فظيع، واستبعاد لأقاويلهم شديد، وما الأساليب التي وردت عليها إلا ناطقة بتسفيه أحلام قريش، وتجهيل نفوسها، واستركاك عقولها، مع استهزاء وتهكم وتعجيب من أن يخطر مخطر مثل ذلك على بال ويحدث به نفسًا؛ فضلًا أن يجعله معتقدًا ويتظاهر به مذهبًا.
{وَجَعَلُوا} بين الله {وَبَيْنَ الْجِنَّةِ} وأراد الملائكة {نَسَبًا}؛ وهو زعمهم أنهم بناته، والمعنى: جعلوا بما قالوا نسبة بين الله وبينهم، وأثبتوا له جنسية جامعة له وللملائكة. فإن قلت: لم سمي الملائكة جنة؟ قلت: قالوا: الجنس واحد، ولكن من خبث من الجن ومرد وكان شرًا كله فهو شيطان، ومن طهر منهم ونسك وكان خيرًا كله فهو ملك؛ فذكرهم في هذا الموضع باسم جنسهم، وإنما ذكرهم بهذا الاسم؛ وضعًا منهم وتقصيرًا بهم، وإن كانوا معظمين في أنفسهم أن يبلغوا منزلة المناسبة