للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالّتي هي أحسن: وقيل: المُتعظِّمُ الذي لا يتواضعُ لأمرِ الله، ولمّا قالَ هذا أفشى على مُوسى؛ فانتشرَ الحديثُ في المدينةِ، ورَقَى إلى فرعونَ، وهمُّوا بقتلِه.

[{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَاتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} ٢٠]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في وَصْفِهِ تعالى فقدْ قِيل: سُمِّيَ بذلكَ مِنْ: جَبَرْتُ الفقير؛ لأنّهُ تعالى هُوَ الذي يَجْبُرُ الناسَ بفائِضِ نِعَمِه، وقيل: لأنهُ يَجْبُرُ الناسَ أي: يَقْهَرُهم على ما يريد. ودفَعَهُ بعضُ أهلِ اللغةِ منْ حيثُ اللفظ؛ لأنّ ((فعّالاً)) لا يُبْنى مِنْ: أفْعَلْت؛ فأُجِيبَ بأنّ ذلكَ مِنْ لفظِ الجَبْرِ المرويِّ في قولِهم: لا جَبْرَ ولا تَفْويضَ، لا مِنَ الإجبار.

وأنكَرَ ذلكَ جماعةٌ مِنَ المُعتزِلةِ مِن حيثُ المعنى؛ فقالوا: يتعالى الله عنْ ذلكَ، وليسَ بمُنكَر؛ فإنهُ تعالى قد أَجْبَرَ الناسَ على أشياءَ لا انفكاكَ لهُمْ مِنها حَسْبَ ما تقتضِيهِ حكمتُهُ لا على ما تتوهّمُهُ الغُواةُ والجَهَلة؛ وذلكَ كإكراهِهِمْ على المَرَضِ والمَوْتِ والبَعْثِ، وسخّرَ كلاَّ منهمْ لصناعةٍ مِن الأخلاق، وجعلَهُ مُجْبَرًا في صُورةِ مُخَيّر؛ قالَ تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي اَلْحَيَواةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: ٣٢]. وقد رُوِي عن عليٍّ رَضِيَ الله عنه: يا بارئَ المسموكاتِ وجبّارَ القلوبِ على فِطْرتِها شَقيِّها وسعيدِها.

وأصلُ الجَبْر: إصلاحُ الشيءِ بضربٍ مِنَ القَهْر؛ يُقال: جَبَرتُه فانْجَبَر، وقدْ يُقالُ تارةً في الإصلاح المجَرّد؛ كقولِ القائل: يا جابِرَ كلِّ كسير، ومُسَهِّلَ كلِّ عسير، وتارةً في القهرِ المجرّدِ كقولِه: لا جَبْرَ ولا تَفْوِيض.

قولُه: (ورقى إلى فرعون)، الجوهري: رقى عليه كلامًا يَرْقِيه: إذا رَفَع، وفي استعمالِه بـ ((إلى)) تضمينُ معنى الانتهاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>