للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل: الرَّجُل: مؤمنُ آل فرعون، وكان ابنَ عمِّ فرعون، و {يَسْعَى} يجوزُ ارتفاعُه؛ وصفًا لرجُل، وانتصابُه حالاً عنه؛ لأنّه قد تخصّص بأن وُصِفَ بقولِه: {مِنْ أَقْصَا اَلْمَدِينَةِ}، وإذا جُعِلَ صلةً لـ ((جاء))، لم يَجُزْ في {يَسْعَى} إلاّ الوصف. والائتمار:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (وإذا جُعِلَ- أي: {مِنْ أَقْصَا اَلْمَدِينَةِ} - صلةَ ((جاء)) لم يَجُزْ في {يَسْعَى} إلا الوَصْفُ)، لأنّ ذا الحالِ نكرةٌ صِرْفة. كأنّ ميلَ صاحِبِ ((المفتاح)) إلى هذا الوجه؛ حيثُ قال: ذَكَرَ المجرورَ بعدَ الفاعِلِ وهوَ مَوضِعُه، وفي ((يس)) قَدّمَه لِكونِهِ أَهَمّ؛ لأنّ الكلامَ هناكَ في سوءِ مُعامَلةِ أصحابِ القريةِ للرُّسُل، وكانَ لأنْ يجيلَ السامعُ في فكرِه: أكانتْ تلكَ القريةُ بحافّاتِها كَذلك، أَمْ كانَ هناكَ قَطْرٌ مُنبِتُ خَيْر؟ فانتَظَرَ مَساقَ حديثِهِ فَقَدّمَ لهذا العارضِ بخلافِه هاهنا؛ فإنّ المترتِّبَ إخبارُ مُخبِر، كما قالَ المصنِّفُ في قولِه تعالى: {فَأَصْبَحَ فِي اَلْمَدِينَةِ خَآئِفًا يَتَرَقَّبُ}: ((أي: الإخبارَ وما يُقالُ فيه)). بَقِيَ أنْ يُقال: لِمَ قَدّمَ المجرورَ على الوصفِ ومرتبتُه التأخير؟ والأظهرُ أنّ المجرورَ صلةُ {يَسْعَى}، والجملةُ وصفٌ لـ {رَجُلٌ}؛ لأنّ موسى عليه السلامُ كانَ مختفيًا في بعضِ أقطارِ المدينةِ وأكنافِها، مترقِّبَا لمُخبِرٍ يُخبِرُه، والرجلُ كانَ مؤمنًا مُعتَنِيًا بشأنِ نبيِّ الله؛ فحينَ أطرقَ سمعَه مؤامرةُ القومِ سعي مِن عندِهم إليهِ انتهازًا للفرصة؛ ومِن ثَمّ أتْبعَه بقولِه: {إِنّيِ لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} أي: مِنَ الذينَ لهُمْ مساهَمةٌ في النُّصح لك. وأكّدَه بأنّ قولَه: {لَكَ} بيانٌ وليسَ بِصِلةٍ للناصحِين؛ أي جوابٌ لِمَنْ يقولَ: لِمَنْ ينصَح؟ كقولِه تعالى: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ اَلْزَّاهِدِينَ} [يوسف: ٢٠].قالَ الزجّاج: {لَكَ} ليسَ مِن صِلةِ {اَلْنَّاصِحِينَ}؛ لأنّ الصِّلةَ لا تتقدّمُ على الموصول، كأنّه قال: إني مِنَ الناصحِينَ ينصحونَ لك، وفي الكلام: ((نَصَحْتُ لكَ)) أكثرُ مِنْ نَصَحْتُك.

<<  <  ج: ص:  >  >>