للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حربيٌّ كانت تأخذُه على وجهِ الاستباحة. وقولُه: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} داخلٌ تحتَ علمِها. المعنى: لنتعلمَ أنَّ وعدَ الله حقٌّ، ولكنّ أكثرَ النّاس لا يعلمون أنّه حقٌّ فيرتابون. ويُشْبِهُ التَّعريضَ بما فَرَطَ منها حينَ سمِعَتْ بخبرِ مُوسى، فَجزِعَتْ وأصبحَ فؤادُها فارغًا. يُروى أنّها حينَ ألقتِ التّابُوتَ في اليمِّ جاءَها الشَّيطان فقال لها: يا أُمَّ مُوسى، كرهتِ أن يَقْتُلَ فرعُون موسى فتُؤجَري، ثمَّ ذهبتِ فتولَّيتِ قتلَه؟ فلمّا أتاها الخبرُ بأنّ فرعونَ أصابَه قالتْ: وقَعَ في يدِ العَدُوِّ، فنسِيَتْ وعدَ الله. ويجوزُ أن يتعلَّقَ {وَلَكِنَّ} بقولِه: {وَلِتَعْلَمَ} ومعناهُ: أنَّ الرَّدَّ إنّما كانَ لهذا الغرضِ الدِّينيّ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (ويُشبِهُ التعريض)، أي بِأُمِّ موسى؛ يعني: قولُه: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ اَلْنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} تنبيهٌ لها على أنّ ما دَهَمَها مِنْ فَرْطِ الجَزَعِ والدّهَشِ في أَوّلِ الأَمرِ كانَ من قِلّةِ العِلم، والجَهلِ بتدبيرِ الله؛ كما أنّ قولَه تعالى: {لَا يَخَافُ لَدَيَّ اَلْمُرْسَلُونَ*إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنَا بَعْدَ سُوءِ} [النمل: ١٠، ١١] كانَ تعريضًا بموسى مِن وَكْزةِ القِبْطيِّ وقولِه فيه: {إنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} [القصص: ١٦].

قولُه: (ويجوزُ أنْ يتعلّقَ {وَلَكِنَّ} بقولِه: {وَلِتَعْلَمَ}، أي: يختصُّ بهِ دونَ المعطوفَيْن -يعني: {تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ} - بشهادةِ إعادةِ حرفِ التعليل، وكانَ مُستغنًى عنهُ بالعاطِف؛ فدلّ ذلكَ على شِدّةِ العنايةِ به، وأنّهُ الغَرَضُ الأصلي؛ فاختصّ لذلكَ بهِ لأنّهُ لا يُستدرَكُ بذلك إلا في أمرٍ يَعزُّ الوصولُ إليه، ولأنّ كلّ أحدٍ يعلمُ ضرورةً أنّ فَرَحَ الثّكْلى وذَهابَ حُزْنِها إنما يكونُ بوِجْدانِ مَفْقودِها؛ ولكنْ لا يعرِفُ أنّ الردّ لصدقِ الوعدِ إلا الواقِفونَ على أسرارِ الله تعالى ودقائقِ حكمتِه؛ فعلى هذا جملةُ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>