للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فانطلقَت إلى أُمِّها بأمرهم، فجاءتْ بها والصَّبيُّ على يدِ فرعونَ يُعلله شفقةً عليه وهو يبكي يطلُبُ الرَّضاعَ، فحينَ وجَدَ رِيحَها استأنَسَ والْتَقَم ثديَها، فقال لها فرعون: ومن أنتِ منه فقد أبي كُلَّ ثَدْيٍ إلاّ ثديَك؟ قالت: إنِّي امرأةٌ طيِّبةُ الرِّيحِ طيِّيةُ اللَّبَن، لا أُوتي بصبِيٍّ إلاّ قَبِلَني، فدَفَعَه إليها وأجرى عليها، وذهبتْ به إلى بيتِها، وأنجزَ الله وعدَه في الرَّدّ، فعندَها ثَبَتَ واستقرَّ في علمِها أن سيكونُ نبيًّا، وذلك قولُه: {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} يريدُ: وليثُبتُ علمُها ويتمكّنَ. فإن قلتَ: كيف حلّ لها أنْ تأخُذَ الأجرَ على إرضاعِ ولدِها؟ قلتُ: ما كانت تأخُذُه على أنّه أجرٌ على الرَّضاعِ، ولكنّه مالٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقلتُ: هذا الأسلوبُ مِنَ الكلام الموجّهِ أو الإيهام وأيُّ بُعْدٍ في وقوعِ نحوِهِ في لغةٍ أخرى لا سِيّما في الضمير، وقد روى مُحيي السُّنةِ عنِ ابنِ جُرَيحٍ والسُّنةِ عنِ ابنِ جُرَيجٍ والسُّدِّيِّ نحوَه.

قولُه: (يُعلله شفقةً)، الجوهري: علله بالشيء: لهاهُ به؛ كما يُعلّلُ الصبيُّ بشيءٍ مِنَ الطعامِ يتجزّأُ بهِ عنِ اللّبن.

قولُه: (واستقرّ في علمِها أنْ سيكونُ نبيًّا)، وذلكَ أنّه تعالى وعَدَها بخَصلَتَيْنِ في قولِه: {إِنَّا رَأَىدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ} فعِندَما أَنجَرَ الوعدَ بإحدى الخَصْلَتَيْنِ حقّقَتْ أنّ الأخرى ستكون؛ فكانَ الردُّ علةً لتحقيقِ حُصولِ الرسالة؛ ولهذا قال: إنّ الرّدّ إنما كانَ لهذا الغرضِ الدينيِّ وهُو عِلمُها بصدقِ وعدِ الله.

قولُه: (ما كانتْ تأخذُه على أنّه أجرٌ على الرضاع)، مذهبُ الشافعيِّ رحمَهُ الله: جوازُ أخذِ الوالِدةِ مِنَ المولودِ لهُ أُجْرةَ الرضاع، وأبو حنيفة رحمَهُ الله لا يجوِّزُه؛ فورودُ السؤالِ على مذهبِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>